في بعض الأحايين، وليس كلّها، تتخذ السلطات في هذا البلد قرارات غريبة حقّا ويحار فيها من تعوّدوا على وظيفة الشيتة وتبرير ما لا يبرّر من خدمها في الحواشي الذين يبيعون همّتهم وعلمهم في سبيل السلطان.. لن أسوق هذه المرّة إلاّ القرار الأخير للجزائر والذي تمسّكت فيه بحصتها من الحجيج ورفضت إقصاء المسنّين الذين فاق عمرهم ال 65 عاما من أداء مناسك الحج لهذا العام. وجه الغرابة أن الجزائر فيما أعلم شكّلت نشازا في هذا الشأن بدليل أن معظم الدول العربية التزمت بالتوصيات التي خرج بها وزراء الصحة العرب في اجتماعهم الأخير بالقاهرة. ولعلّ أغرب ما سمعنا هو ما صرّح به مدير الديوان الوطني للحج والعمرة بربارة الشيخ، والذي جدّد فيه رفض الجزائر لما أقرّه وزراء الصحة، وأكثر من ذلك قلّل من أهمية الاجتماع وتوصياته معتبرا أنها مجرّد توصيات لا ترقى إلى مستوى القرارات الحاسمة، وكأن بيد وزراء الصحة أن يمنعوا الحج هذا العام بسبب مخاطر وباء أنفلونزا الخنازير..!؟ هل من الإجحاف أن نحرم المسنّين من الحج هذا العام بسبب هذا الوباء؟ أليس على السلطات مسؤولية عظيمة في حماية رعاياها أو حجيجها من المخاطر؟ أليس أمرا مثيرا للغثيان أن تتنكّر السلطات لرأي العلماء والخبراء في هذا الشأن؟ هل تدرك فداحة الخطر أحسن من الأطباء ووزراء الصحة؟ لماذا يبتلى البلد برجال يدافعون عن مصالحهم المادية الضيقة ولو على حساب الناس وصحتهم ويعرضونهم للخطر؟ إن الجزائر مقصّرة إذ أنها لم تفتح النقاش العام داخل المجتمع وفي مختلف الوسائط الإعلامية لدراسة قضية حج هذا العام والنظر فيه، وليس من المسؤولية في شيء ارتجال القرارات على شاكلة الرفض الأخير لاجتماع القاهرة.. صرنا نسيّر الشأن العام بنزعات مبهمة ولو على حساب العلم والعلماء الذين يعود لهم وحدهم تقدير الموقف العلمي الصحيح مثلما فعلوا في القاهرة، وليس من حقّ أيّ كان أن يتحجّج بأيها حجّة لمخالفة رأي العلماء. لقد فصلت كثير من الدول في الموضوع دونما حرج، ومنها من قرّر فقهاؤها بالاتفاق مع علماء الطب والأوبئة أن يمنعوا الناس من العمرة في رمضان خشية انتقال الوباء كما حدث في إيران مثلا، أما أنتم يا فقهاء الجزائر فتنكّروا للعلم والطب والخبراء واسمحوا للمسنيّن بالحج وإذا وقع المكروه لا قدّر الله فهو كالعادة قضاء وقدر ومكتوب..! حسبنا الله في ارتجال كهذا وتنطّع كالذي نسمع أو نرى..!