صدر مؤخرا عن دار» القصبة« للنشر مؤلف جديد من نوع الكتاب الفاخر لجميلة فليسي قنديل »الرسم الأنثوي« من خلال مسارات و أعمال 11فنانة تشكيلية جزائرية من مختلف المدارس و الأجيال. جمع المؤلف الجديد الذي يقع في 158 صفحة بعنوان »فيمينان بيكتيرال« »الأنثى و الرسم« معلومات وافية عن حياة وأعمال كوكبة من الفنانات التشكيليات الجزائريات من أجيال مختلفة وصور تنوعت بين الشخصية وأخرى لنماذج عن أعمال كل مبدعة. يُشعر الكتاب متصفحه منذ الصفحات الأولى بالجهد البحثي الدقيق الذي قامت به جميلة فليسي لتزويد القارئ بمعلومات عامة وأيضا حميمية و طرفات نادرة مما أعطى النص مرونة وجاذبية . قبل الغوص في عوالم كل واحدة من المبدعات التي يتحدث عنهن الكتاب فضلت صاحبته تمهيد الطريق بمقدمة غنية شملت نبذة تاريخية عن علاقة المرأة بالفن سواء في العالم الغربي أو المشرقي حيث كانت فيهما المرأة مستبعدة من هذا الفضاء الإبداعي الذي بقي حكرا على الرجل . و ساقت الكاتبة خلال استعراضها لمعانات المرأة في ولوج العالم السحري للريشة و الألوان أمثلة عن ذلك مثل منعها من دخول مدارس الفنون الجميلة والذهاب إلى حد فرض مستحقات اكبر على أول طالبة انتسبت للمدرسة علاوة عن الأحكام المسبقة للمجتمع تجاه المرأة المبدعة . و لا يمكن الحديث عن العلاقة بين المرأة والريشة بالنسبة للكاتبة دون مسح لواقع المرأة في تلك الحقب وإعطاء لمحة عن الإرهاصات الأولى للحركات الداعية إلى تحرير المرأة خاصة في المنطقة العربية مستشهدة بأسماء بارزة لرائدات تلك النهضة أمثال » ملك حفني ناصف « المعروفة باسم »باحثة البادية« وهدى شعراوي و مي زيادة. خلال التجوال بين مسارات كل فنانة بدا من عميدة التشكيليات الجزائريات باية و مرورا بعائشة حداد و سهيلة بلبحارو جميلة بنت محمد وصافية زوليد وحبيبة بن صخار...يكتشف القارئ العوالم المبهرة لتلك المبدعات مع ميول و مميزات كل فنانة منها عاشقة الألوان الزيتية وتلك التي تستهويها خطوط و دقة المنمنمات. و تعطي جميلة في هذا المؤلف الثاني عن الفن التشكيلي بعد »ديوان الفن« الصادر في2009 صورة متكاملة للمرأة المبدعة دون حصرها في بوثقة »فن أنثوي« الضيقة معتبرة أن المرأة تمكنت من وعبر الفن ترقية مكانتها و تحديد هويتها وان كان فنها يعبر عن ما يحلج بداخلها من أحلام وطموحات. وحرصت المؤلفة على إعطاء صورة عن المحيط الثقافي والاجتماعي الذي تربت فيه كل فنانة وتأثيرها بتلك التقاليد التي جسدتها في لوحاتها عن قصد أو دونه ،كما هو في لوحة »العصافير« لبآية و»البتلة « لسهيلة بلبحاروأيضا »مأساة الحرب« عند مريم بن هايم المعروفة بمريم بن الكاتبة بين هذه الإعمال التي تنتمي إلى الفن التشكيلي مع إبداعات المرأة الجزائرية في عصور سابقة من أعمال تقليدية مثل السجاد وأشكال و رسومات الأواني الفخارية وخاصة تأثيرات الرسوما العدم . و تشدد الكاتبة على سيطرة المواضيع المستنبطة من التراث الثقافي الجزائري في هذه الأعمال في إشارة للتواصل بين الأجيال في ترسيخ هذا الإرث . و يقدم الكتاب أيضا بورتريهات لفنانات من الجيل الجديد الذي تعلم أصول و تقنيات هذا الفن في المدارس مثل مريم ايت الحارة و التي رغم اللحظات العصيبة التي عرفتها خلال دراستها حيث عاشت ماسي في الأسرة و في محيطها المدرسي بسبب العنف الذي ساد آنذاك إلا أن هذه المبدعة المتعنتة واصلت مداعبة الريشة و التعبير عن ما يجري حولها.