منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد لم تشهد الولاياتالمتحدةالأمريكية أي حدث مروّع يشغل الحكومة والإعلام والمواطنين على السواء.. وهاهو كيان تلك الدولة القوية يهتزّ ويتأرجح على وقع تفجيرين صغيرين مقارنة بما حدث قبل اثني عشر عاما في برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك ووزارة الدفاع في واشنطن. لا شماتة في الموت، وقد لقي ثلاثة أفراد حتفهم في تفجير ماراثون بوسطن وقُتل، لاحقا، شرطي في تبادل لإطلاق النار مع المتهمين بالتفجير.. لكننا لا نستطيع منع أنفسنا من الإحساس المرّ بالمفارقة، نحن سكان العالم الثالث والعالم العربي على وجه الخصوص، لأنّ أحداثا جساما نتابعها يوميا في عدد من الدول العربية خاصة سوريا والعراق، ونعاين على أرض الواقع أو عبر الشاشات ذلك العدد الكبير من الضحايا الأبرياء وحجم الدمار المادي والاجتماعي الذي تتسبب فيه أحداث التفجيرات والمعارك والاغتيالات والإعدامات الميدانية والقتل على الهوية وغيرها من أصناف الترويع التي خلّفتها التدخلات الأمريكية في بلداننا.. وهكذا فليعذرنا الشعب الأمريكي إذا لم نضع أحداث بوسطن على نفس درجة الأهمية التي يضعونها فيها، وليعذرنا الزملاء الصحفيون هناك بعد أن تقهقر ترتيب الخبر في فضائياتنا العربية مباشرة بعد اليوم الأول للحادثة، وعادت مصائب أمتنا في سوريا من جديد، لتحتل مكان الصدارة في الأخبار وتصنع العناوين الأولى بامتياز. المثير الذي لفت نظر المحللين العرب في أحداث بوسطن هو تريّث الرئيس الأمريكي في أول ظهور تلفزيوني له بعد الحادثة، حيث تحكّم الرجل في مشاعره، أو هذا ما اتفقت عليه دوائر الحكم عندهم.. وقال أوباما: (لم نعرف بعد من فعل هذا أو لماذا، ويجب ألا يتسرع أحد في الاستنتاج قبل أن نعرف كل الحقائق.. ولكن لا يخطئنّ أحد، فسوف نتوصل إلى حقيقة ما حدث وسنعرف من فعلوا هذا ولماذا فعلوه.. سنكشف هوية من قام بهذا العمل وسنحاسبه).. نعم لقد تريّث الرئيس الأمريكي ولم يوجّه كلامه للقاعدة أو المتشددين من العالم الإسلامي، ولم يلجأ مباشرة إلى وصف ما حدث بالعمل الإرهابي، خاصة أن الإرهاب في اصطلاحهم لا يعني سوى العربي والمسلم في أي مكان كان. نعم لقد أثارت نبرة الغموض وعدم توجيه الاتهامات تساؤلات عدة، وأرجعها بعض الخبراء بالشأن الأمريكي إلى علم الإدارة الأمريكية بتورط جهات داخلية في هذه التفجيرات مهما كان شكل أو لون أو أصل المنفّذ، وعاد بها آخرون إلى منتصف العشرية الأخيرة من القرن العشرين عندما فجّر أميركي أبيض، يدعى تيموثي ماكفي، مبنى فيدراليا في مدينة أوكلاهوما جنوب غرب الولاياتالمتحدةالأمريكية، وراح ضحية ذلك الانفجار الرهيب المئات بين قتيل وجريح.. لقد ظلت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون، في ذلك الوقت، مدة عشرة أيام تبحث عن الجاني دون توجيه أي اتهام مباشر لأي جهة، لأن معلوماتها كانت تفيد أن منفذ الجريمة شاب أشقر يضع وشما على يديه، فهو لا ينتمي إلى طينة العربي المسلم إذن. والخلاصة أن إدارة باراك أوباما، أو أوباما على الأقل، مثّلت دور التلميذ الذكي الذي يستفيد من الدروس السابقة ولا يقع في المطبّات ذاتها مرة بعد مرة، كما هو دأب الأغبياء والمغفّلين.. ففي تفجير أوكلاهما تورطت وسائل الإعلام الأمريكية في اتهام جهات عربية وإسلامية، ليتبين لاحقا أن مواطنا أميركيا أصيلا هو من نفّذ الهجوم. ربما نشعر بالامتنان للرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما على هدوئه بعد أحداث بوسطن وعدم مسارعته إلى اتهام العرب والمسلمين عبر استخدام تعبير الإرهاب والإرهابيين والمدلولات التي تحملها مثل هذه الكلمات في الثقافة الأمريكية التي صاغها الإعلام الأمريكي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. لكنّ هذا غير كاف على الإطلاق.. فما نريده، نحن العرب والمسلمون، هو محو تلك الصورة النمطية التي رسمها الغرب عنّا، فصار القتل والإرهاب والإجرام ملازما لنا. لقد أشار مسؤول أمريكي إلى أن أي حادث بشحنات متفجرة متعددة هو عمل إرهابي، وسيتم التعامل معه كذلك.. وتمنّيتُ لو أنه أكمل الجملة بقوله: (حتى لو كان المنفّذ أمريكيا من أحفاد جورج واشنطن).. ذلك الزعيم الذي قاد جيش الثورة الأمريكية وانتزع الاستقلال من بريطانيا العظمى وعُرف بأبي الولاياتالمتحدة وكان أول رئيس لها. نريد هذه اللهجة الواضحة من الإدارة الأمريكية في التعاطي مع حوادث الإرهاب، حتى نبدأ رحلة نسيان سنوات الإهانة الطويلة التي تعرّضنا لها في ديارنا، وفي المهاجر القريبة والبعيدة التي ظننا أن مستويات الحرية والديمقراطية فيها كفيلة بحفظ حقوقنا ومساواتنا مع الآخرين. لا حاجة إلى تريّث الرئيس الأمريكي في أول ظهور له بعد أحداث ماراثون بوسطن، وكان من الطبيعي أن يصف ما حدث بالعمل الإرهابي، لأنه أرهب فعلا جمعا كبيرا من الناس وأفسد عليهم احتفالهم الرياضي الذي يقام كل عام في (يوم الوطنية)، تلك العطلة الرسمية في ولاية ماساتشوستس الأمريكية. نعم.. إنه إرهاب لأنه أدخل الخوف والرعب في قلوب الآلاف، وربما الملايين.. لكننّا نتطلع إلى أن يعمّ هذا التوصيف جميع الأحداث والتفجيرات المشابهة والأعمال الإرهابية التي تشترك فيها دول ومنظمات وتشرد وتقتل الأبرياء وتصادر حقوقهم في الحياة الكريمة تحت مسميات وذرائع عديدة. نريد أن يعم وصف الإرهاب على كل من يقتل الناس ويروّع الآمنين.. ونريد كشف المستور والحديث بكل وضوح حول الإرهاب الاقتصادي والمالي والغذائي والثقافي والإعلامي.. أما أن نتحدث عن قنبلة يدوية الصنع ونسكت عن سياسات منظمة لإبادة شعوب كاملة.. فذلك أمر شنيع تأباه جميع الأديان والفلسفات.