دأب الخطاب المسجدي على إبراز فضائل شهر رمضان بخلاف باقي أشهر السنة. فإضافة إلى كونه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن تتجلّى فضائل أخرى له كونه شهر الرحمة والبركات.. ولعلّ من أعظم نعم رمضان لدى المجتمعات الإسلامية عموما والمجتمع الجزائري خصوصا أنه يمنحنا وحدة شعورية ودينية رائعة لا تتاح لنا في باقي أيام السنة مع الأسف الشديد.. فمن ضمن 12 شهرا لا يعيش الجزائريون خصوصا إلاّ شهرا واحدا فقط منسجمين مع أنفسهم وتاريخهم وحضارتهم، وبعبارة أخرى: شهر واحد فقط يعيشون فيه في إنّيتهم، بتعبير الأستاذ مولود قاسم رحمه الله. شهر واحد تلتقي فيه الأمة على طريق واحدة وتتفق على قلب واحد..صلوات وقيام وصوم وسحور ونسمات.. شهر واحد يجبر فيه الجزائريون على ميقات واحد ومواعيد محددة للإفطار والإمساك، ويلتفون كلهم على مائدة واحدة في أجواء رحمية واجتماعية لا نظير لها، تختفي مظاهر الفرقة والتشتت في العادات والسلوك والممارسات التي عهدناها في باقي أشهر السنة، تغيب الفردانية والنزعة الشاذة، وبل وتصير أوقات الفطور رائعة مع التقاء جميع أفراد الأسرة أو رواد مطاعم الرحمة في تلك الطقوس ومن خلال الدعاء وفرحة الإفطار بعد صبر ومجاهدة.. تبدو صور الألفة والمحبة والتضامن ظاهرة كأعظم الصور التي تشكّل حياتنا وتعطّر أيامنا في وحدة روحية وشعورية فريدة حقّا. هي هويتنا تتوهج فينا..دين واحد ولغة عربية تسترّد حضورها القوي فينا وعادات وتاريخ مشترك.. رمضان هو نحن..! رمضان هو نحن كما يجب أن نكون بدل التغريب والمسخ في باقي أشهر السنة.. شهر عظيم يغيّرنا جميعا..يوحّدنا بسلاسة غريبة سلطة ومجتمعا وأفرادا ويرسمنا على وجه واحد وملمح واحد.. حياة أخرى يعود فيها الجزائري إلى نفسه..إلى ربط الاتصال الوثيق بالسماء..بالله وبنبيه الكريم. هو النسق واحد..المعنى الواحد..ونقول بملء الفم: إننا أمة واحدة..! أجل..نحن كذلك، لكن الزمن فعل فينا فعله..العولمة، الاستغراب، البؤس والحرمان..قوى الهيمنة..التخلف..إلخ.. الشهر الوحيد الذي يحررنا من المسخ والتشويه ومن التيه بغير حساب.. رمضان شهر الرحمة والبركات.. شهر القرآن..وهو أيضا شهر انسجامنا الروحي والاجتماعي والثقافي.. لنكن في مستوى انتمائنا الروحي..!