تقدم الكاتبة الجزائرية ياسمينة سلام في إصدارها الجديد "الكسكسي, جذور وألوان الجزائر", رحلة إلى عالم الكسكسي باعتباره تراثا جزائريا لاماديا متوارثا عن الأجداد, تناقله الجزائريون عبر الزمن, بأبعاده الاجتماعية الكبيرة وكذا غنى وتنوع وصفاته. ويتتبع هذا الكتاب الفاخر, الصادر عن منشورات المؤسسة الوطنية للاتصال النشر والإشهار "آناب" والواقع في 120 صفحة, تاريخ الكسكسي, أحد أشهر الأطباق في العالم والذي أدرجته اليونسكو في 2020 في قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية باسم الجزائر وثلاث دول مغاربية أخرى. ويسمي الجزائريون وشعوب شمال أفريقيا الكسكسي بشكل مختلف, على غرار "كوسكسي", "سكسو", "كوسكوس", "طعام", "نعمة", "بربوشة" أو حتى "عيش", والكسكسي هو "طبق مصنوع بأشكال مختلفة ويتم استهلاكه في شمال إفريقيا من مصر إلى المحيط الأطلسي وفي جميع أنحاء غرب إفريقيا", حسب الكاتبة. ويتتبع هذا العمل, في جزأين, تاريخ هذا الطبق التقليدي الذي يتم استهلاكه اليوم في جميع أنحاء العالم, وهذا منذ العصور القديمة وإلى غاية تصنيفه من قبل اليونسكو في 2020. وتقدم سلام في الجزء الأول لكتابها توضيحا حول أصول الكسكسي والمادة الأولية المستخدمة في تصنيعه (الشعير والقمح على وجه الخصوص), بالإضافة إلى تقنيات وأدوات "فتله", وعلى هذا النحو فهي تعرض كتابات المؤلف والرحالة الأندلسي ليون الإفريقي وإسمه الحقيقي حسن الوزان (1495-1555) والمؤرخ الفرنسي جان بوتيرو (1914-2007) ومواطنه دينيس سيار, وهو مؤرخ متخصص في ثقافات الطعام. ويعتمد العمل أيضا على مراجع تاريخية لباحثين متخصصين في فن الطهي المتوسطي, بالإضافة إلى تسلسل زمني لكتب وإصدارات في أدب الرحلات تصف الكسكسي بطرق تحضيره المتعددة. ويرجح دينيس سيار "الاحتمال الكبير" بأن يكون الكسكسي جزائريا, كما تؤكده ياسمينة سلام, معتمدا على مراجع أثرية وتاريخية تذكر نوميديا المعروفة بصادراتها من الحبوب (القمح القاسي والشعير) التي تستخدم في صنع الكسكسي, وخصوصا إلى روما. ووفقا لعالم الأعراق البشرية الفرنسي مارسو غاست (1927-2010) الذي أجرى دراسات حول العادات والممارسات الاجتماعية والطهي لسكان الصحراء الجزائرية ولا سيما طوارق الهقار في الستينيات, فإن "الزناتيين في جنوب غرب الجزائر هم أول من عرف الكسكسي", كما تقول ياسمينة سلام. وفي الفصل المخصص للبعد الاجتماعي للكسكسي, تؤكد الكاتبة أن هذا الطبق الوطني الذي يتم تناوله خلال جميع الاحتفالات, السعيدة منها والحزينة, يمثل "وجها من وجوه الهوية الجزائرية" منذ العصور القديمة. ويتناول الكتاب أيضا تاريخ أول مصنع لتصنيع الكسكسي, "ميزون ريتشي", الذي تأسس بالبليدة في 1853 من طرف مستعمر من أصول إيطالية, حيث من خلال هذا المصنع تم إنتاج وتصدير العبوات الأولى من الكسكسي المعبأ الذي تم "فتله" يدويا على يد نساء جزائريات إلى فرنسا, وقد كان يستخدم آنذاك نظام التجفيف بالتهوية الاصطناعية. وتختم سلام الجزء الأول من كتابها قائلة أنه "من حق الجزائريين أن يؤكدوا أن جذور الكسكسي موجودة في الجزائر, وأن أرضها كانت المكان التي أشع منه هذا الطبق لينتشر بعدها في العالم أجمع". ومن جهة أخرى, يقدم الجزء الثاني من هذا الإصدار مجموعة من وصفات الكسكسي في الجزائر, موصوفة وموضحة بالصور لكل صنف من هذا الطبق, مع اختلاف تحضيرها عبر مختلف مناطق الجزائر, وهذا من خلال وصفات متنوعة وأسماء لا حصر لها. وينافس كتاب "الكسكسي, جذور وألوان الجزائر"، في المرحلة النهائية من نسخة 2025 لجوائز "غورموند وورلد كوكبوك" بالسويد, وهي مسابقة دولية تكافئ أفضل كتب الطبخ من حول العالم, حسب المؤلفة. وكان عملها الأول "ذاكرة الطهي في الجزائر: تاريخ الوصفات" (2022) قد توج بهذه الجائزة في 2023. وتهتم ياسمينة سلام, وهي مهندسة زراعية, بتراث الطهي الجزائري, حيث تهدف إلى التعريف بالمطبخ الجزائري التقليدي من خلال الكتب والبرامج التلفزيونية.