في قلب مدينة الجسور المعلقة (قسنطينة), يتربع مسجد الأمير عبد القادر كجوهرة معمارية تستحضر عظمة الحضارة الإسلامية شاهدة على عبقرية التصميم وروحانية المكان حيث يعلو هذا الصرح كرمز خالد للتاريخ و التراث الديني و العلمي متألقا في سماء الروحانيات ليلا, لاسيما في ليالي رمضان. فبعد لحظات المغرب الأولى تبدأ وفود المصلين في الوصول إلى المسجد في مشهد يعكس تعلق الجزائريين بموروثهم الروحي والديني. رجال ونساء و شيوخ وشباب وحتى الأطفال يملؤون الساحات والأروقة فيتراءى المسجد وكأنه بحر زاخر بالقلوب الخاشعة أين تستقبلهم بوابة المسجد بزخارفها الأندلسية المتقنة بينما تلوح في الأفق مئذنة المسجد الشاهقة التي تكاد تخترق السماء مع ارتفاع صوت الأذان فتشعر وكأن الزمن قد توقف بين جدران هذا الصرح العظيم. وفي حديث خص به "وأج" أكد المكلف بتنظيم الدروس الرمضانية بالمسجد, الدكتور يوسف علال (خطيب مسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة) أن المواعظ و الكراسي العلمية (نوع من الدروس على شكل أفواج مصغرة) تعد محطة مميزة في البرنامج الرمضاني الذي يسطره المسجد كل سنة حيث يتم إعداد سلسلة من الدروس والمحاضرات التي تلقي الضوء على فضائل هذه الموسم وأثرها في حياة المسلم. --معمار يروي أمجادا صاغت روح الأصالة-- بني المسجد في سبعينيات القرن الماضي بمبادرة من الرئيس الراحل هواري بومدين، ليكون شاهدا على قيم الدين والعلم. واجهاته المزخرفة بنقوش أندلسية وقبته ذات اللون الرخامي على ارتفاع 64 مترا ومئذنته الشاهقة التي تلامس السماء بارتفاعها البالغ 107 أمتار كلها تفاصيل تمنح المسجد حضورا مهيبا يبعث على الخشوع مثلما أفاد به الدكتور توفيق عامر, أستاذ في علوم الشريعة و إمام مسجد الأمير عبد القادر. فقد أصبح مسجد الامير عبد القادر يبث نور العلم و مدرسة للعلماء تتجلى أدواره الاجتماعية في فض النزاع و حل المشاكل الأسرية و كذا نشاطاته الخيرية التضامنية على غرار توزيع قفة رمضان و زكاة الفطر و التكفل بالمرضى فضلا عن خاصيته الأساسية و المتمثلة في شحن الهمم و النفوس من خلال الدروس الرمضانية و انتقاء أحسن القراء للتلاوات الليلية. --جامعة بقلب المسجد .. منارة علمية لا تنطفئ-- و يحتضن مسجد الأمير عبد القادر جامعة متخصصة في العلوم الإسلامية مما يجعله نموذجا يمزج بين قدسية العبادة ورصانة الفكر الأكاديمي حيث أكد الدكتور عبد العزيز شلي أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة الأمير عبد القادر في حديثه ل /وأج أن "دمج جامعة العلوم الإسلامية بالمسجد كان رؤية استشرافية تهدف إلى تعزيز الفكر الإسلامي المعتدل حيث يجتمع طلبة العلم بمختلف تخصصاتهم في رحاب هذا الفضاء الجامع بين المعرفة والروحانية". للإشارة, فإن هذا الصرح الإسلامي الذي تم تدشينه سنة 1994, يعد ثالث أكبر مسجد في الجزائر من حيث مساحته التي تتسع لحوالي 15 ألف مصل بفضل توفره على قاعتين للصلاة إحداهما مخصصة للنساء فضلا عن ساحة مركزية واسعة توفير مساحة رحبة للمصلين ما يجعل هذا الصرح مركزا مناسبا للتعليم والبحث في العلوم الإسلامية و مؤسسة مسجدية عريقة تتجلى فيها قيم التسامح والانفتاح.