تشهد بعض محلات وأسواق العاصمة انتشار تجارة الأواني الفخارية بشكل لافت قبيل شهر رمضان، هذه الأخيرة التي عادت خلال السنوات الأخيرة بقوة إلى الموائد والبيوت الجزائرية بعد ركود طويل، حاملة معها عبق الخمسينات والستينات الذي تحاول ربات البيوت استذكاره ونحن على أبواب الشهر الفضيل. مع اقتراب حلول شهر رمضان دبت حركة غير اعتيادية عبر كل أرجاء وأحياء العاصمة، ومن أهم هذه المظاهر انتعاش الحركة التجارية في الأسواق الشعبية والمحلات بالعاصمة وضواحيها، خاصة سوق الأواني الفخارية الذي يلقى إقبالا معتبرا هذه الأيام كإرث حضاري وتاريخي جميل كالقدور الخاصة »بشوربة« رمضان أو بالحريرة والجاري على حسب مناطق الوطن وثقافة المواطنين. وكذلك صحون »الشوربة« والطواجن الخاصة باللحم الحلو وبالأطباق التقليدية الأخرى »كالحميس «أيضا وأخرى خاصة بالأسماك يظهر ذلك جليا من شكلها. وتعتبر نصيرة- م ربة بيت حلول الشهر الفضيل أحد أهم المواسم لابتياع الاواني الفخارية من ضواحي العاصمة، خاصة البليدة وذلك نظرا لما تشهده أسواقها من إقبال كبير عليها لجودة المعروضات وجمال نقشها وألوانها، وأضافت نصيرة أنها تحرص على تجديد شراء طاجين الفخار مع كل رمضان استعدادا للشهر الفضيل الذي تعتمد فيه أسرتها على خبز الدار بنسبة 100 بالمائة. كما أنها اعتادت على تجديد شراء الأواني الفخارية في رمضان والتي تتلائم مع الطبخ التقليدي لهذا الشهر. وذكر محمد أن استخدام الأواني الفخارية في طهي وتجهيز وصفات شهر رمضان المبارك بشكل عام يعد من المظاهر الرمضانية الجميلة والأصيلة لأبناء العاصمة، مضيفا:س لا أظن أن هناك مائدة في حي القصبة العتيق كانت تغيب عنه» شوربة الفريك« أو المقطفة المحضرة في قدر الطين وكذلك اللحم الحلو والطواجن. في حين أكدت ربيعة أن اقتناء الأواني الفخارية لم يعد يقتصر على الأجيال القديمة من أمهاتنا لأن الأجيال الجديدة صارت تقبل عليها بنفس القدر، خاصة بعد أن تطورت هذه الصناعة في موديلاتها ونقشتها وألوانها وتأقلمت مع متطلبات البيت العصري، لكنها تبقى اسعارها باهظة الثمن مقارنة بالأواني الأخرى فهي تضاهي أسعار الأواني الخزفية والقدور المستوردة رغم أن المادة الأولية التي صنعت منها هي الطين، فقدر الطين مثلا يناهز سعره ال1800دج حسب النوع والسعر، أما سعر صحن الشوربة فيتراوح هو الآخر بين 120 و150دج. في حين يتراوح سعر الطاجين من 400 دج إلى 600دج حسب النوعية والحجم. ويقاسمها الرأي زوجها ابراهيم بقوله:س هناك مبالغة في رفع أسعار الأواني الفخارية في هذه الأيام ولكن نظرا لحاجتنا الماسة نشتريها بأي سعر لأننا نريد أن نعايش ليالي الشهر الفضيل بلمسة قديمة اعتدنا عليها من زمان وكذلك من أجل الحفاظ على هذا الإرث التاريخي الجميل. تجار الفخار وأواني الطين يؤكدون تضاعف الإقبال عليها يقول سعيد صاحب أحد المحلات المختصة بتجارة الأواني الفخارية بطريق حمام ملوان أن الطلب عليها حاليا يفوق خمسة أضعاف الطلب قبل ثلاث سنوات، إذ كان تسويقنا لها يتراوح بين 300 الى 400 قطعة للموسم الواحد، أما هذا الموسم فان التسويق قد تجاوز هذا الرقم بشكل كبير ليصل بين 1200 الى 1300 قطعة ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان. وعن أكثر السلع طلبا، أكد سعيد أن قدور» الشوربة« هي سيدة المشتريات وبعدها طاجين الفخار وطواجن اللحم الحلو مع صحون» الشوربة« وكذا صحون» الحميس« المرافق للشوربة في أغلب موائد الجزائريين خلال الشهر الفضيل. وأضاف سعيد أن إقبال العاصميين على جرار الماء صار ملفتا للنظر خلال العام الماضي وهذا العام والسبب حسب رأيه أن حلول شهر رمضان في عز الصيف ذكر الناس بالذوق المتميز الذي تمنحه الجرة للماء. مضيفا أن المواطنين اليوم صاروا أكثر وعيا بصحتهم وأغلبهم يقدرون بأن شرب الماء من القلل صحي أكثر من البلاستيك الذين ينصحون بالعدول عنه نهائيا. كما أن ذوق الماء الذي يشرب من القلة لا تعوضه وسيلة أخرى، خاصة إذا كان برائحة القطران وهو ما تعود عليه الكثير من الجزائريين وليس العاصميين فقط إضافة إلى حفظها لبرودة الماء حتى بعد خروجها من البراد لساعات. وأكد سعيد مضيفا: زأغلب الزبائن تذكروا الجرار بسبب انقطاع التيار الكهربائي بصفة متكررة خلال صائفة ورمضان العام الماضي لخوفهم من أن يتكرر الأمر هذا العام، ساعتها لن يجدوا خيرا من القلة. وخلال جولة استطلاعية حول مدى انتشار تجارة الأواني الطينية بقلب العاصمة، قصدنا السوق المغطى بأعالي ساحة الشهداء، والذي لم ينقطع عنه هذا الإرث التقليدي أبدا، حيث قابلنا صاحب أحد المحلات كهل في الستين من عمره دأب على هذه التجارة منذ أن كان يافعا فقالس عرفت تجارة أواني الطين ركودا تاما خلال سنوات خلت، لكن ما حدث بين المواطنين خلال السنوات الأخيرة يشبه الصحوة فقد استرجعت أواني الطين مكانتها القديمة، خاصة في أحياء زالدزاير القديمةس ويضيف التاجر:س الإقبال يشهد أرقاما قياسية قبل شهر رمضان وأكثر الأواني المقصودة خاصة بمائدة رمضان. وفي تلك الأثناء أقبلت إحدى السيدات لشراء أطباقا من الطين قالت أنها تستعملها لسالسليطةسالعاصمية المصنوعة من الفلفل والطماطم المشويين بزيت الزيتون مضيفة أن هذا الطبق الذي لا غنى عنه على مائدة رمضان لا يحلو إلا في طاجين من الطين مرفق بخبز الدار. صناعة أواني الفخار ليست سهلة على عكس ما يعتقده البعض بأن صناعة أواني الفخار والطين لا تكلف شيئا لأن المادة الأولية فيها متاحة من الأرض، فإن الحرفيين في الجزائر يشتكون من صعوبة الحصول على المادة الأولية المتمثلة في الصلصال والطين لتواجدها في مناطق جبلية صعبة.بالإضافة إلى النقص الواضح في اليد العاملة وهو ما أكدته جل الحرفيات المشاركات في الطبعة الرابعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة مؤخرا بقصر رياس البحر بالعاصمة. حيث أكدن أن الحصول على المادة الأولية يتطلب وقتا وجهدا غالبا ما لا تقدر عليه الحرفيات وهو ما ينعكس سلبا على صناعة الأواني الفخارية بالجزائر وبالذات على أسعارها الباهظة التي لا تتلاءم مع صناعة محلية المادة الأولية فيها هي الصلصال. في حين أثارت بعض العارضات مشكل أماكن العرض الذي لا يتوفر لكل الحرفيات إلا مناسباتيا، في حين يجدر بالذكر أن صناعة الفخار في الجزائر متوارثة من بعض العائلات التي تشربت الصنعة أبا عن جد وأمثال هؤلاء يكتسحون السوق ولا يعانون من المشاكل التي يطرحها البقية.