احتضنت دار الثقافة لمدينة بومرداس، بدءا من 17 أفريل الجاري وطيلة شهر كامل، فعاليات ''شهر التراث''، يشارك في التظاهرة عدة حرفيين في عدة اختصاصات من إقليم الولاية، منهم الخالة دوجة عميدة الحرفيين ومُروضة الطين، لصنع أواني فخارية أقل ما يقال عنها أنها متقنة لأبعد الحدود.. تشكل الأواني الفخارية مصدر رزق العديد من العائلات الحرفية التي بقيت لدهور من الزمن، محافظة على أصالة هذه الحرفة اليدوية القديمة. هي الحرفة التي يؤكد العارفون بأسرارها، أن استعمال قطع منها في تحضير الأكل يضفي نكهة مميزة لا يمكن وصفها. كما أنها حرفة بقيت تحتفظ بتواجدها في عدة مناطق، ولكن قلة قليلة فقط تمتهنها، سواء كوسيلة لكسب الرزق عن طريق صنع أوان فخارية يستخدمها البعض للزينة، أو للمحافظة على تراث الأجداد. وهناك من يستخدمها للتمتع بمذاق ونكهات الأطباق التي تُحضّر، والتي تعود بالمتذوق إلى البساطة التي تضفيها عليه، لأنها مصنوعة من الطبيعة. ويستخدم حرفيو الفخار الطين، الماء وحجر خاص لعجن وصناعة الأواني الفخارية، ولكل أداة اسم خاص، هو الآخر سر توارثه حرفيو هذه الحرفة. هكذا تقول الخالة دوجة من ''شعبة العامر''، والتي أمضت سنوات طويلة من عمرها في ترويض الطين الحر، عجنه وتشكيل أوان كثيرة، عديدة ومتنوعة من الفخار. من بين ما تصنعه الخالة دوجة التي تشارف على السبعين سنة من عمرها، الصحون، الأباريق، القصع، الكؤوس، القدور والطواجين، حتى الملاعق تصنعها من الطين، حيث تقول؛ إنه يسمى بالطين الحر أي الصافي تماما من أية شوائب أو اختلاطات قد تفسد عملها. من بين أهم المنتوجات الفخارية التي تصنعها الخالة دوجة بيديها؛ القدور لتحضير مختلف أنواع الشوربات، وكذا الطواجين التي تستخدمها ربات البيوت في طبخ الطعام. وتؤكد المتحدثة أن القدر الفخاري اكتسب شهرة واسعة، نظرا للنكهة المميزة التي يمنحها للشوربة المطبوخة فيه. ''أحضّر الشوربة في قدر فخاري صنعته بيدي، والله لا أضيف لها اللحم ومذاقها لا يمكن وصفه''، تقول محدثتنا: ''أنا لا أتجرع أكل مطبوخ في الأواني العصرية أبدا، أفضل خواء بطني على تذوق أكل من غير روح.. بالنسبة لي، الفخار جزء من كياني، موجود في حياتي منذ أن فتحت عيني على الدنيا''. وإلى جانب أنواع الشوربات، فإن تحضير الكسكسي في قدر وكسكاس من الفخار، له مذاق آخر، وأنواع الخبز والمعجنات التقليدية وغيرها الكثير من الأطباق، لا يتسع المجال لذكرها، وهي تمثل من جهتها وجها آخر من أوجه التقاليد المجتمعية. وفي معرض حديثها، تشير الخالة دوجة أنها تعتمد على نفسها في جلب المادة الأولية لتشكيل مختلف الأواني الفخارية، وهي بذلك تقصد مكانا مجانبا لوادي ''شعْبَةْ''، وتبحث عن أرض بور أي غير مزروعة، والسر يكمن في أن طين هذه الأرض يكون صافيا، لا هو صلصال ولا ''تافزة''، مثلما يعرفها البعض. ثاني خطوة، تتمثل في ''نشر'' هذه الطين الحرة في الشمس حتى تجف تماما، ثم يتم دقُها بحجر خاص يسمى ب''التفون''، لتُنخل مثل الدقيق في ''السيار''، ثم تعجن بالماء وتشكل منها الحرفية ما تشاء وتريد من الأواني، سواء للاستعمال اليومي أو للزينة. وفي هذه النقطة بالذات، تشير الحرفية أن الأواني الفخارية للاستعمال المطبخي، تكون ذات لون أحمر قرميدي ممزوج ببعض السواد، وهذا علامة التجفيف على نار الحطب، وهو ما يعرف باسم ''الوقيد''، ولمدة يوم كامل كآخر خطوة، حتى تكون الآنية ملساء تماما وجاهزة للطبخ، أما الأواني الفخارية الموجهة للزينة والديكور، فعادة ما يميل لونها للأبيض المصفرّ، وإذا تم استعمالها في الطبخ تنشق. وبالحديث عن الطبخ في الآنية الفخارية، تؤكد الخالة دوجة أن هناك خطوة أساسية لا بد من العناية بها، وهي أن توضع الآنية الفخارية فوق الموقد حتى تسخن تماما، ثم يصب فوقها مقدار كوب من الحليب، الذي وبمجرد وضعه عليها، يأخذ في الغليان ويترك كذلك حتى يتبخر تماما وتصبح بقاياه (أي الحليب) كالغراء، بعدها تقوم ربة البيت بتمرير مسحة خفيفة على الآنية الفخارية بقطعة قماش جافة، ثم تضع مقادير الأكلة التي ترغب في تحضيرها مباشرة على ذات الآنية، أي دون غسلها. وهذه الطريقة تتبع مع أي آنية فخارية كانت، ساعة استعمالها الأول. وتنصح عميدة حرفي بومرداس كل الراغبين في شراء أوان فخارية، اقتناءها من عند أشخاص ذوي ثقة وليس على قارعة الطرقات. كما أنها تشير أخيرا، أن انتشار الأدوات المصنوعة من الفخار في القديم، يعود إلى اعتماد الأهالي على تحقيق الاكتفاء الذاتي سواء في الزراعة، تربية الأبقار والماعز للحوم والحليب أو حتى في صناعة الأدوات الفخارية للطبخ، حتى النسيج والمشغولات الصوفية وغيرها من الأشياء الكثيرة المصنوعة يدويا، والتي يستعملها الناس في حياتهم اليومية.