¯ لا أحد يتمنّى تكرار المشهد العراقي في سوريا، وبعد عشر سنوات وعدّة أشهر فقط، وكأنّ الزمن العربي توقّف هناك في عام ألفين وثلاثة.. لقد تباينت المواقف حينها من الهجوم الأمريكي على العراق ونظام صدام حسين، وتابعنا جميعا عنتريات الصحّاف، وزير الإعلام العراقي آنذاك، وانتظرنا القنوات الفضائية كي تفاجئنا بالمئات، أو الآلاف، من جثث العلوج، على حدّ وصف الصحّاف، المتناثرة على ضفاف دجلة، وفي حواري وأزقّة بغداد الرشيد وفخر العباّسيين. لقد كان هدف الأمريكيين واضحا وهو الإجهاز على البقية الباقية من القوة العراقية سواء من خلال الجيش أو البنية التحتية ومؤسسات الدولة، أما القضاء على الاستبداد ونشر الديمقراطية والبحث عن أسلحة الدمار الشامل، فهي أسباب ومبرّرات شكلية لم تكن مقنعة لأحد سوى أولئك الرهط من السياسيين الذين تقاطعت مصالحهم مع الغزو الأمريكي. السيناريو يتكرر في سوريا من جديد، والغرض ليس إسقاط نظام بشار الأسد، ولو سقط تلقائيا بعد الضربة المحتملة، إنما الهدف هو ذاته الذي تحقق للولايات المتحدةالأمريكية في العراق، حيث دخل في مرحلة جديدة من الإرهاق العسكري والاجتماعي والسياسي، فتحوّل إلى لقمة سهلة المنال لدول الجوار خاصة إيران ومشروعاتها في المنطقة. المؤكد أنّ النّخب المهمّشة والمضطهدة لن تبكي بشار الأسد ولا أركان حكمه، كما لم تَجُد بقطرة دمع واحدة على صدام حسين ونظامه؛ لكنّها ستبكي، أو ينبغي أن تبكي، سوريا التاريخ والحاضر والمستقبل.. وتبكي أمّة ظلت في مكانها تقريبا خلال عقد كامل من الزمان، وفي وقت تتغير فيه الأمم الأخرى بوتيرة أسرع وتسير، حتى الضعيفة منها، نحو الاستقلال التام عن القوى الكبرى، أو المشاركة في صناعة القرارات التي تعنيها على الأقل. كيفما كانت الضربة الأمريكية، ومع الألم الشديد الذي ستخلّفه؛ تظل المشكلة في طبيعة الكيان العربي، الرسمي والشعبي، ووعيه بما يحدث فيه وحوله.. والمؤكد أنّنا سنبكي سوريا الشعب والتاريخ، وسنذرف الدموع على الضحايا المدنيين خلال الغارات الأمريكية، وستتقطّع نياط القلوب وهي تتابع آثار الصواريخ الأمريكية على ما بقي من مؤسسات وبنايات وطرقات ومنشآت تعود ملكيتها إلى الشعب السوري، وليس لبشّار الأسد ولوبيات السياسة والمال التي تحيط به. لقد بدأت الدموع تنهمر في هذا الشأن، وتمنّيتُ لو كانت خالصة للشعب السوري، لكنّ البعض راح يبكي على جيوش )الجوار الفلسطيني( التي انتظرنا منها تحرير فلسطين منذ عقود، لكنها أخطأت في تحديد الوجهة على ما يبدو، لأن البوصلة لم تكن سليمة من الأساس. يقول أحدهم وهو يعلق على الوضع في مصر: )..إنه دومينو إسقاط الجيوش العربية، وجيش مصر أحد مصادر القلق بعد انهيار الجيش العراقي واستنزاف الجيش السوري والتحضير لضرب ما تبقى منه ولن يعدم الغرب الحجةì وقد حان استهداف الجيش المصري وسط حرب إعلامية شرسة..( كلام وجيه يصعب الاختلاف حوله، خاصة إذا استحضرنا القيم التي تنطلق منها السياسة الغربية، والأمريكية تحديدا، وكيف تحمي مصالحها، وكيف تتأسس هذه المصالح في الغالب على ضعفنا وتخلّفنا السياسي والعسكري والاجتماعي والثقافي.. كما أن من ضمن المعلوم بالضرورة من السياسة، عند الشعوب والحكومات، أن إسرائيل هي الإبنة المدلّلة للغرب وأمريكا، وأن تفوّق أيّ جيش عربي من دول الجوار الفلسطيني خط أحمر لا يجوز تخطيه بأي حال من الأحوال.. ومن هذا المعلوم أيضا أن ساسة إسرائيل يفرحون بأيّ صراع أو دمار تتعرض له جيوش الطوق العربي، خاصة الجيشين المصري والسوري. وهكذا.. لا أحد يمنعكم من البكاء على هذه الجيوش.. لكن هل ينفع البكاء؟.. وهل يغني العويل شيئا عن أمّة تناوشها سهام ورماح الأغراب وهي تدور حائرة في مكانها، حيث لم يتفّق أقطابها وزعماؤها بعد على الطريق المناسب الذي تظهر من خلاله بقعة الضوء في آخر هذا النفق المظلم. ابكوا على هذه الجيوش بالطريقة التي ترونها مناسبة، لكن الأَوْلى أن تتساءلوا عن السبب وراء ما يحدث؟.. وكيف حادت القيادات العسكرية عن هدفها الأساس وهو حماية الحدود والأوطان؟.. وكيف نزلت إلى ميادين السياسة بالأحذية الثقيلة والدبابات وراجمات الصواريخ وحتى الطائرات. يا سادة: لقد تغيّر الزمن، ورحلت سنوات الزعيم الأوحد والصوت الذي لا يعلو عليه صوت.. إننا في عصر الفضائيات والانترنت.. إننا نتابع بقية خلق الله في هذا العالم، ونعاين تطوّر حركة الشعوب في الجوار والأقاصي.. إنهم يرتفعون ويفتكّون حقوقهم وحرياتهم.. إنهم يحاسبون حكّامهم وينزلونهم من فوق الكراسي. إن الذي يدافع عن الجيوش العربية هو ذاته الذي يتحدث بلغة أخرى عن الشعوب ويرى أنها )ليست إلا مجاميع كومبارس في هذا الحراكì وليست هي من تقرر أو تملك حتى توصيف حراكها بأنه ثورة أو انقلاب أو تمرد أو مجرد حالة شغب شعبي(.. يا سادة: بدل البكاء والعويل، وبدل تدبيج القصائد بالمدح أو الرثاء.. تحركوا مع هذه الجيوش، وأقنعوها بمراجعة عقيدتها والعودة إلى الإيمان بالشعوب.. علّموها بصدق وإخلاص أن الدول الحديثة لها جيوش، وأن مرحلة أن يكون للجيش دولة قد ولّت إلى غير رجعة.. أخبروها بوضوح أن الجيوش القوية هي التي تخضع لأوامر سلطات سياسية انتخبتها شعوب حرّة وواعية.