لم تكن الرسالة التي وجهها الرئيس السابق اليمين زروال للجزائريين مجرد خطاب موجه لهذا الطرف أو ذاك أو لضرب الرئيس المترشح والتخندق في صف الرافضين للرابعة، فالرجل أكبر من أن تحتويه حركات سياسية ومواقف حزبية أو غضب شخصيات مهما ارتفعت في سلم السياسة وفي مناصب المسؤولية، فكان خطابه نداء موجها للجميع حتى لا تسقط الجزائر في مستنقع الفوضى. لقد تعددت القراءات وتناقضت في قراءة رسالة الرئيس زروال، فسارع الكثير من المراقبين ومن الناشطين السياسيين وبعض المرشحين للاستحقاق الرئاسي إلى الجزم بأن مبتغى الخطاب هو الوقوف في وجه الرئيس بوتفليقة والاعتراض على ترشحه لعهدة رئاسية جديدة، وأغفل هؤلاء رسائل كثيرة مهمة تناولت بشيء من التنبيه والتحذير من المنزلقات التي قد تقع فيها الجزائر ، قبيل أو بعد موعد ال 17 أفريل القادم، فنبه الرئيس زروال الجزائريين حكاما ومحكومين من خطورة السقوط في المحظور، خاصة في ظل موجات الغضب والاحتجاجات التي اشتعلت هنا وهناك، وبدأت تنذر بمستقبل غامض. لن نناقش هنا قناعات الرئيس زروال الذي يحق له أن يرفض العهدة الرابعة وأن يعبر عن موقفه من التعديل الدستوري في سنة ,2008 أو حتى بخصوص أهلية الرئيس من الناحية الدستورية لخوض غمار الرئاسيات. وعندما يتحدث زروال عن ضرورة صون الثقة وعن النزاهة والشفافية التي يجب أن تطبع الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهو يعني بالدرجة الأولى أن الوضع حساس وأن المهمة الأولى التي يجب على الجميع أن يضطلع بها هي ألا يتحول الموعد الانتخابي إلى فرصة لأطراف أخرى توظفها لتحقيق أجندتها التدميرية في الجزائر، فهذه الانتخابات يفترض أن تشكل سانحة للجزائريين للانتقال نحو مستقبل أكثر رحابة تكرس فيها الممارسة الديمقراطية. ويخطئ من يعتقد أن رسالة زروال موجهة لهذا الطرف أو ذاك، وموقفه يشبه كثيرا موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والرسالة التي أوقف بموجبها الجدل حول ما سمي ب »الصراع« بين الرئاسة والاستخبارات، فالحكمة ليس في معرفة من أشعل هذا السجال أو نقله إلى الرأي العام، وإنما الحكمة هي في التصدي لتحريف النقاش ليصبح عبارة عن سيناريو جهنمي لتقسيم المؤسسة العسكرية وإدخال العسكر في سجال مباشر مع باقي مؤسسات الجمهورية لكسر المؤسسة العسكرية من جهة وضرب مصداقية الدولة من جهة أخرى، وقد بدا ذلك كمحاولة لتقسيم الصف وكحلقة من سلسلة هدفها نقل الجزائر بأكبر سرعة ممكنة نحو ما يسمى ب »الربيع العربي«، والذي يفسر ربما كل ما يجري حاليا على الساحة من احتجاجات ومن حراك. ولما يقول زروال أنه »يجب الحذر من الاستخفاف بالوضع الراهن، والاعتقاد بأن الوفرة المالية يمكن لوحدها أن تتغلب على أزمة ثقة هيكلية..«، فهو يعني بالدرجة الأولى أن المهمة الأولى التي يتوجب على السلطة القيام بها هي التفكير في التغيير المطلوب القيام به لاستكمال مهمة ترسيخ دعائم الاستقرار، وتفادي كل ما من شأنه جر البلاد إلى أوضاع كارثية ترهن وحدتها وأمنها. وهو ما دفع بزروال إلى القول »أنه من الأهمية بمكان التذكير بأن التداول على السلطة يكمن هدفه في التضامن ما بين الأجيال، وتعزيز التماسك الوطني ووضع الأسس المهيكلة لاستقرار مستدام، كما يكمن في تحصين الديمقراطية وإضفاء المصداقية على مؤسسات الجمهورية التي تعد أثمن ما ينبثق عنها«. إن خروج الرئيس زروال عن صمته أملته عوامل كثيرة على رأسها الاحتجاجات التي عمت الكثير من مناطق البلاد، فضلا عن المواجهات التي تشهدها غرداية، ولما يسقط قتلى وتضطر 120 عائلة على الفرار من بيوتها بعد اشتعال المواجهات بين عصابات الملثمين من الطرفين المتصارعين، فهذا يؤشر إلى وضع ربما يفلت من سيطرة الجميع، فلا شيء يبرر فتنة غرداية، خاصة بعد المجهودات التي بذلتها السلطة وقامت بها عدة أطراف حذرت من أيادي تريد لغرداية أن تشكل مفتاح جهنم بالنسبة لمستقبل الجزائر، ومخاطرها تتجاوز بكثير الاحتجاجات التي يقوم بها المعارضون للعهدة الرئاسية الرابعة، وتتجاوز تحركات »بركات« التي بدا وكأنها قد عجزت عن توسيع نطاق احتجاجاتها في ظل إصرار الجزائريين على التشبث بالاستقرار والتوجس من كل صوت يدفع نحو منزلق العنف، خاصة بعدما نجحت السلطة في ترويض المقاطعين وإقناعهم بأسلوب التجمع في القاعات بدلا من الشارع. ولعل أكبر خطيئة يمكن أن يرتكبها أي كان ومهما كانت صفته وسمعته وقيمته لدى الجزائريين هي محاولة الاستثمار في الحزازات الجهوية وتوظيفها لخدمة أغراض سياسية انتخابية بحتة، ولا شيء يبرر الاحتجاجات التي شهدتها بعض المناطق في ولايات بشرق البلاد، فموجات الغضب التي تنفخ فيها بعض الأطراف، وتتخذ من المزحة السمجة وغير المقبولة لعبد المالك سلال ، حجة ومبررا لها كان عليه أن تتوقف خاصة بعد اعتذار صاحبها على المباشر، فسلال جزائري كباقي الجزائريين، قد تكون نكتته ثقيلة وحتى جارحة، لكن ذلك لا يجب أن يصوغ لخصوم بوتفليقة ليحولوها إلى شعار لتجنيد الشاوية والزج بهم في متاهات قد تشكل بداية لمسلسل تدميري يستهدف وحدة البلد واستقراره.