تؤكد الدراسات العلمية للخطاب السياسي الجزائري انه منذ نشأة حركة نجم شمال افريقيا في العشرينيات من القرن الماضي الى أيامنا هذه، ظل يخضع لنسق معين من المفردات والكلمات المفاتيح، والماثورات الشعبية ذات التأثير البليغ؛ سواء فيما يتعلق بالتعبئة والتجنيد والتوعية او المتعلق بمواجهة الخصوم وفضح عيوبهم، وكذلك الامر فيما يتعلق بالالتزام بالأخلاقيات والسلوكيات النابعة من صميم المجتمع الجزائري اثناء اداء الخطاب السياسي، ففي الجانب الاول ظل النسق العام يتم عبر مسارين: (1) مفردات التعبئة والتجنيد وتتمحور حول :الوطنية، الحرية، الاستقلال، العدالة الاجتماعية، التقدم، الرقي، البناء،تنمية الريف والفلاحة، النهضة الصناعية، العلم، الثقافة الوطنية،،،الخ، (2) مفردات المواجهة والصدام، وتتمحور حول: عون الاستعمار، بني وي وي، شامبيط، مطورز، حركي، قومي، بايوع،،الخ وفيما يتعلق بالسلوكيات كان الخطاب السياسي حريصا على احترام الجمهور وتقديره والتحضير الجاد لمواجهته ولا مجال للارتجال في هذا الشأن كان يطبق قاعدة مقتضى الحال اثناء الخطاب وقاعدة لكل مقام مقال، كما كان يميز بكل وضوح بين ما هو شخصي وما هو عام في شخصية الخطيب، ويعمل بكل صرامة على عدم الزج بالمسائل الشخصية والعائلية في حلبة النزاع السياسي، ما عدا استثناءات نادرة قبيل الحرب العالمية الثانية وبتدبير وإيعاز من الاستعمار. ذلك فيما مضى اما في الحملة الانتخابية الحالية فيمكن التأكيد على انه قد تم اختراق فاضح لتلك التقاليد التي سار عليها الخطاب السياسي الجزائري، وحدث خروج واضح عن التراث الأخلاقي الرزين سواء في مفردات الخطاب او الخلط المقصود بين الشخصي والعام، واختلط الحابل بالنابل في لغة الخطاب فلم يعد يسمو بالمتلقي الى اللغة النقية والجزلة والسامية بل صار ينحط الى لغة السوقة والدهماء والضياع بين العربية والفرنسية ، ولا يهتم الخطيب بمدى فهم وتقبل الجمهور لخطابه ، وانقطع ذلك التواصل الحميمي بين الخطيب وجمهوره ،، صار الخطيب كأنه موظف يلقي بأوامره تعليماته لجمهور خاضع ومطيع، والحقيقة ان هذا الجمهور لم يعد خاضعا ولا مطيعا بل يبحث عن الإقناع وقوة الحجج والبراهين ففي هذه الحملة الحالية؛ صارت مفردات التعبئة والتجنيد تكاد تكون نقيضة للأولى فبدل الوطنية ومشتقاتها صارت عبارات: نحن وهم، عرب، قبائل، شاوية، إباضي، مالكي تطبع خطاب التعبئة وهي مفردات كانت في السابق كفيلة بان تؤدي بمعتنقيها الى الإعدام في عقيدة جبهة التحرير الوطني اثناء الثورة، وكذلك ظهرت نغمة جديدة تتعلق بهذا تدعمه فرنسا وذاك تدعمه أمريكا ،،الخ، وهو أمور مناقضة للحرية والاستقلال وصارت مفردات المواجهة والصدام تدور حول :فاشل، شيات، طبال، كذاب، منافق، فاسد، سارق،،،الخ اما السلوكيات فقد طالها أيضاً التغيير، وشابها كثير من الانحطاط والسوقية والخروج عن المألوف في عرف الجزائريين حيث برزت بوضوح شخصنة الصراع مثل ما حدث بين مقري ولويزة حنون مفردات شاذة: قبيحة، رديئة، بالية، شاربة خمر، بلطجي، كلب ،،،الخ )وظاهرة العنف مثل الاعتداء على الخصم السياسي، والعنف اللفظي مثل السباب والشتم كعبارات (يلعن بو اللي ما يحبناش وتراريس، والفليتوكس، و الهردة الرابعة وغيرها من الكلمات السوقية التي تعبر عن الفقر في الحصيلة اللغوية، والعجز عن ابداع مفردات مفاتيح تكون فعلا معبرة عن هذه المرحلة من تاريخ الجزائر.