سيتم التطرق في هذه المداخلة لموضوع التأثيرات النفسية للعنف على الشباب العربي من خلال تحليل أثر العنف على بناء الشخصية لدى الشاب العربي، بالإضافة إلى ردود الفعل الناتجة والظاهرة في السلوك الفردي والجماعي، وسيكون التطرق لعلاقة العنف الرياضي بالعنف والجريمة من خلال التطرق للأخير بشكل ديناميكي كسبب ونتيجة. من الأهمية بمكان أن أنوه بأنني لا أعتبر العنف الرياضي هو السبب الرئيس للجريمة، كما أنني لا اعتبره مبررا. إن العوامل المرتبطة بقضايا الشباب والنظرة الدونية للشاب بشكل عام وقضايا الموروث الثقافي بالمجتمع العربي بشكل خاص لهي عوامل ذات تأثير كبير في العنف والجريمة، ولكن لأهداف البحث الحالي سيتم التطرق إلى العنف الرياضي فقط. - العائلة كنظام: تعتبرالنظرية النظامية (System theory) العائلة كنظام، يؤثر ويتأثر بالأنظمة المحيطة به، وهي وراء تطور وتحول العديد من النظريات الأخرى في ما يتعلق بالإرشاد العائلي، وذلك بتفسيرها لعلاقة نظام بالأنظمة الأخرى، فكل نظام موجود في حيز معين، إذ أنه لا يكون بفراغ، أي أنه محكوم بمجموعة من العلاقات، ولفهم العلاقة بين نظام العائلة والأنظمة المحيطة، علينا في البداية استعراض الأنظمة المحيطة، والتركيز على النظام السياسي من حيث ماهيته وتأثيره على العائلة. فالمجتمع العربي مجتمع فتي ومعظمه من الشباب وهو العامل الأساسي المهيمن عند التطرق للنظام السياسي المؤثر على النظام العائلي وبالتالي على أفراده. - أشكال العنف الرياضي: وإذا ما تسنى لنا استعراض أنواع العنف الرياضي فإننا نلاحظ بأنه يندرج تحت شكلين عامين رئيسيين: العنف المباشر والعنف غير المباشر. أما المباشر فيشمل القتل، الضرب، هدم الملاعب، تكسير المرافق، غزو الملاعب وغيرها من أساليب العنف المباشر التي يتم الحديث عنها دائما. أما العنف غير المباشر، فهو الذي يقصد به الوسائل الغير واضحة التي يستعملها الشاب لإخضاع الجمهور مثل تقييد حركة اللعب، الإهانة، السب، الانحرافات السلوكية مثل تعاطي المنشطات، التحريض على العنف، تجريد الأفراد والمجموعات من حقهم في التمتع بالنشاط الرياضي، ولا بد أن للعنف الرياضي بنوعيه الأثر الكبير على تشكيل شخصية الشاب العربي، وسيتم تفصيل ذلك لاحقا ولكن البداية لا بد من وضع تعريف للعنف الرياضي. - التعريف: تطلق عبارة العنف الرياضي على الأعمال والممارسات الموجهة ضد الدولة أو منظمات أو هيئات رياضية وضد الأفراد و/أو المجموعات الخاضعة تحت سيطرتها. ويرتبط موضوع العنف الرياضي ضد الأشخاص بالوضع الرياضي الذي يعيشون في ظله. ولا بد أن أثر ذلك وبشكل كبير على شخصية الشباب العربي وعلى سلوكياته وفي تعاملهم مع ذواتهم ومع قضاياهم الحياتية العامة والخاصة. - الآثار النفسية للعنف الرياضي (المباشر والغير مباشر): مع أن الأنواع المختلفة من العنف الرياضي قد تسبب صدمة عند الأفراد ويكون تأثير الصدمة شديدا على المستوى النفسي، الاجتماعي، إلا أن تأثير العنف المباشر يكون واضح المعالم إذ يصيب الشخص في أساسيات حياته مثل البقاء والشعور بالأمان، ولذلك فإن تأثيره يكون شديدا ويضع الشخص بحالة عدم استقرار وخوف على نفسه وعلى حياته. وقد ينتج عن ذلك مشاكل نفسية مختلفة ومنها أعراض ما بعد الصدمة (PTSD)، أما بالنسبة للعنف الغير مباشر فإنها تأخذ دورا مخفيا، وقد تكون آثارها بعيدة المدى وغير محسوسة على المستوى اللحظي وهي أكثر خطورة من نظيراتها. - أشكال العنف الرياضي المباشر: بعد أن باتت التجاوزات والتصرفات غير المقبولة التي تأتي من بعض جماهير الرياضة خارج أسوار الملاعب ظاهرة مؤسفة تؤرق كل المجتمعات، وعلى الأخص المجتمع العربي المعروف بخصوصيته وتميزه، فإغلاق الشوارع ورفع أصوات مسجلات السيارات بشكل أقرب للصخب، وتعمد استعمال أبواق السيارات بشكل مستمر، والانطلاق بها بسرعة جنونية، تعبيرا عن حالات من الفرح عقب المباريات الهامة داخل المدن إلى آخر مثل هذه التصرفات التي يمجدها المجتمع وتعد دخيلة على عادات مجتمعنا وتقاليده الموصوفة بالاتزان والعقلانية وعدم المساس بحقوق الآخرين، وعدم بث الفوضى في المجتمع بشكل عام. ولكي نقف على هذه الظاهرة التي قد تتحول إلى مشكلة إذا لم تتم معالجتها بالشكل والتوقيت المناسبين، علينا أن نعرف أسباب هذه الظاهرة وسبل معالجتها. -1 الحاجة إلى الوعي: إن مشجعي الرياضة ومحبي كرة القدم من الشباب العربي على وجه الخصوص يحتاجون إلى المزيد من التوعية في كيفية التعبير عن فرحهم بفوز فريقهم المفضل أو منتخبهم الوطني، هذا الأمر يتطلب تظافرا للجهود من الجميع، ويتحقق عمليا من خلال التركيز على رفع الوعي بشكل مستمر من قبل وسائل الإعلام كالصحافة والتلفزيون التي يجب أن تستهدف هؤلاء الشباب، بعدما باتت هذه الوسائل الأكثر استقطابا ومتابعة من قبل الشباب الذين يقضي غالبيتهم معظم وقته في متابعة أخبار الرياضة، وأخبار الكرة، خاصة أنهم فقدوا الترابط الذي كان يوفره الحي الذي كانوا يستقون منه الكثير من العادات والتقاليد الحميدة التي تحثهم على احترام الآخرين، بعد أن اتسعت المدن وانتقل الناس إلى المجمعات السكنية الكبيرة بعد أن كانوا يعيشون في أروقة الأحياء الصغيرة سابقا. -2 الأندية تتحمل المسؤولية: إن الأندية مسؤولة على التخلص من هذه الظاهرة ومحاربتها، فللأندية دور كبير في عملية المساعدة في بتر هذه الظاهرة التي يعاني منها المجتمع العربي من قبل بعض الشباب المحبين للرياضة، ومعالجة هذه الظاهرة يجب أن تتم من خلال لاعبي الأندية العربية أنفسهم، لأنهم يشكلون القدوة للجماهير، ولأن تأثيرهم على الجمهور يكون أقوى وأسرع وأشد مباشرة بكثير من أي وسيلة أخرى فالإعلام التوجيهي وسيكولوجية الإحباط والتنفيس تدفع الشباب لشغب الملاعب والتصرفات غير اللائقة من بعض الجماهير في وقتنا الحالي تجاه الآخرين والتي تتمثل في الضوضاء وإزعاج الآخرين هي تصرفات لا يقرها الدين الإسلامي ولا المجتمع العربي عموما، ومن الممكن أن تتفاقم إذا لم تجد من يكبحها في مهدها. فالمشاكل الخاصة تنعكس على التشجيع أما الأسباب التي أدت إلى بروز ظاهرة خروج بعض الجماهير العربية خارج الملاعب إلى أسباب عدة، ذكر منها على وجه الخصوص: 1- تحول الرياضة ومنافستها إلى متنفس للعديد من الأفراد ممن لديهم مشاكلهم الخاصة، سواء السلوكية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، ولجوئهم إلى الشغب كتعبير وتفريغ في ذات الوقت لشحنات من الألم والغضب وعدم الرضا من خلال هذا الحدث الرياضي المناسب لإخراج هذه الشحنة من وجهة نظرهم. 2- إن وجود أكثر من شخص بين الجماهير ممن لديهم تلك المشكلات يجعلهم يتصرفون بشكل فردي لا يلبث أن يتحول إلى جماعي تحت تأثير (التفكير الجماعي) لهذه التجمعات وما يصحب ذلك من تخريب ومشكلات يعاني منها الآخرون ممن ليس لهم أي ذنب في مثل هذه التصرفات. 3- قلة أو انعدام التوعية خارج وداخل الملعب لمحبي لعبة كرة القدم وبشكل فعال ومؤثر، كالعمل على استخدام شاشات الملعب وأجهزته الصوتية لمحاربة مثل هذا الشغب عقب المباريات الحاسمة والهامة لهذه الجماهير على أن تكون محاربة هذا الشغب من خلال لاعبي الأندية أنفسهم، ومطالبتهم للجمهور بالتحلي بالروح الرياضية أثناء إقامة مثل هذه المباريات، والعمل على المصافحة بين لاعبي الفريقين المتباريين عقب المباريات مثل ما نراه حينما تلعب الأندية الأوروبية وفي نهائيات كأس العالم. 4- التعامل مع مثيري الشغب بجدية أكثر والعمل على عدم دخولهم للملاعب والتقاط صور لهم مثلما يحدث في بعض البطولات الأوروبية، وهي العقوبة التي تؤثر في الآخرين ممن يفكرون في إثارة الشغب في وقت لاحق. 5- تكثيف وجود رجال الأمن بعدد أكبر عقب المباريات الحاسمة، وهذا يرفع معدل الحذر والخوف لدى الكثير من مثيري الشغب من الجمهور. 6- ظهور العديد من الدراسات العلمية التي أوردت أن أسباب مثل هذه السلوكيات الخارجة عن مفهوم الرياضة تزداد وتساعد على الشغب نتيجة لكل مما يأتي: أ إقتراب المسابقات من مراحل الحسم كنهاية دوري كرة القدم أو مباراة تجمع فريقين من مدينة واحدة. ب إقامة المباريات ليلا بدلا من آخر النهار يرفع من معدل الشغب لدى الجماهير. ج إرتفاع درجة الحرارة إبان إقامة بعض المباريات. د قيام المباريات وسط الأسبوع بدلا من نهايته. ه تعرض أحد الفريقين للظلم من قبل الحكام على سبيل المثال. و الشحن الإعلامي وتصوير الفرق لبعضها البعض بأنها أندية أو فرق مستهدفة وتحاك ضدها المؤامرات. ك إزدياد حالات العنف داخل الملعب بين اللاعبين، وزيادة حالات الإنذارات والطرد. إن بث الإرشادات والنصائح للشباب في الملاعب له تأثيره المهم على السلوك وبشكل مباشر وسريع، على أن هذه الحملات الإرشادية يجب أن تمتد لتشمل ملاعب اللقاءات العربية والعربية، خاصة أن بعض هذه الدول شهدت أحداثا مماثلة وغير مبررة كما حدث في تونس عقب مباراة المنتخب الجزائري ونظيره المغربي في نهائيات كأس إفريقيا لكرة القدم التي استضافتها تونس. وعلى ضرورة مطالبة اللجان المنظمة للبطولات أو النهائيات لجمهور هذه البطولات والنهائيات بالتعبير عن فرحه عقب فوز فريقه أو منتخب بلاده بالطرق المشروعة، لأن كرة القدم مازالت وفي كل مكان في العالم لعبة تدخل في نطاق الترويح والتسلية وممارسة الهواية، ويجب ألا تنقلب من خلال بعض الشباب الطائش إلى مشكلة تصيب المجتمع، فالتعبير عن الفرح لا يكون بإغلاق الطرق لأنها ملك للجميع، وقد يحتاجها مريض أو من لديه ظروف قاهرة للوصول بسرعة إلى هدفه، إضافة إلى أن مثل هذه التصرفات قادت البعض من الشباب إلى الموت وأن يشارك الجميع في محاربة هذه الظاهرة. فجيرار يطرح فرضية علمية جديدة لتعليل العنف في المجتمع، بينما دوغلاس يناضل من أجل تغيير روحي، عبر العمل اللاعنفي وكأثر من آثاره. كلتاهما نظرية تزلزل ما بَلِيَ من عوائدنا ومن أحكامنا المسبقة المشتركة، تدفعني العديد من اختبارات الأعمال اللاعنفية المباشرة إلى الاعتقاد بأنهما محقان في ادعائها طابعا ثوريا لنظريتيهما. فهذه الاختبارات تبدو متفردة حينما ننظر في جريانها، وتنظيمها، والمشاركين فيها. إنها تشترك في كونها جمعتْ بين أشخاص ذوي أصول متنوعة، حيث فعل تماسك الجماعة فعل مادة انشطارية لبلوغ كتلة حرجة. لقد جرت في بلدان مختلفة وغيرت حياة غالبية المشاركين فيها تغييرا جذريا. وسيرورة التغيير هذه ليس واقعة مادية، بل هي “حدث حي"، شعور، قد يكون مختلفا عند كل مشارك. وهذا الشعور عصي على الوصف لأنه بعيد جدا عن الحياة اليومية، حتى إن مفردات التعبير عنه متفردة. وقد أثر في أناس من كل الأعمار، من كل الثقافات، ومن كل المهن. لكن النتيجة عند كل مشارك هي تغيير عميق يجعله يشكك في كل ما كان مقبولا عادة بوصفه سويا. الأطفال يرون هذه الحقائق التي يهملها الحكيم والعالم، ونقطة اللاعودة هذه: التنافس بالمحاكاة يزود البشرية بكمون من العنف بحيث تكون الوسيلة الوحيدة لنجاة النوع هي نبذ العنف بالإجماع. لا يمكننا أن ننوي تدمير “الآخر" دون تدمير أنفسنا، عندما نستخدم العنف، ندمر أو نشارك في تدمير كل خير أوجده البشر منذ أن وُجِدوا، إذ إن العنف لا يدمر الهدف الذي يعكف على بلوغه وحسب، بل منشؤه أيضا. غير أن تدمير منشئه ليس بوضوح تدمير الهدف، الأمر الذي يقود إلى الاعتقاد ب “فائدة" العنف. ذلك هو أكبر عيوب النظرية الماركسية في التغيير. فللعنف أثر نفسي سلبي على الأشخاص الذين يستخدمونه، وهؤلاء الأشخاص لا يدركون أن شخصيتهم تغيَّرتْ باستخدامهم العنف، فمجتمع يستخدم العنف ضد مجتمع آخر أو ضد نفسه يصير أقل ديمقراطية ويشجع مواطنيه على استخدام العنف. وأيا كان الموقف، فالعنف ينتج عواقب وخيمة جدا على العلاقات الإنسانية - يبث الخوف الذي، بدوره، يولد العنف. العنف، إذن، ذاتي التوليد. قال غاندي: “ألق سيفك فلا يطالك الخوف". استخدام العنف لحل نزاع ما يوجد حلقة لا نهاية لها من الثأر والثأر المضاد. وهذا لا مفر من أن يقود إلى الموت الرمزي أو الفعلي. أما الموت الرمزي فهو السجن، الاستبعاد، الإذلال، والاستتباع، وأما الموت الفعلي فهو الموت على منصة الإعدام، على الكرسي الكهربائي، أو في ميدان الحرب. من شأن اللاعنف أن يحطم هذه الحلقة التي لا تنتهي كما تحطم النيوتروناتُ النوى الذرية عند حدوث انفجار نووي. اللاعنف يخلق طاقة مُعْدِية تسري في الذين يستعملونه وفي الذين يستعمل عليهم على حد سواء. في كتابه كبش الفداء يبيِّن رونيه جيرار أن العنف هو أصل الأساطير والشعائر، وهو، بالتالي، أصل غالبية الظواهر الثقافية كافة: “ما من سبب آخر للعنف غير الاعتقاد العالمي بأن العلَّة في غير مكان.. الجميع مسؤول على حد سواء، لكنْ ما من أحدٍ يريد أن يتحمل مسؤوليات.. الأديان والثقافات تستر العنف لأنها تتأسَّس عليه وتستمر من خلاله. والكشف عن سرِّها يتفتق عن حلٍّ، ينبغي أن يكون علميا، لأكبر لغز يواجه العلوم الإنسانية كافة: لغز طبيعة الدين ومنشئه". وجيرار يتوجَّه بالنقد إلى العلماء الاختصاصيين وأنصار الحداثة الذين “يدخلون في سِجالات لا طائل فيها" و«ينبذون أقوى البديهيات وإذا نظرنا إلى الخطاب الرياضي في الوطن العربي فإننا نجد أن اتجاه الخطاب السياسي، الاجتماعي الرياضي العربي ينمي ويؤكد ضرورة الهوية والانتماء القومي والاجتماعي وبالوقت نفسه على الصعيد العملي، يوجد انفتاح وتنمية اقتصادية واعتمادية كبيرة على الغرب. وهذا التضارب يؤدي إلى اغتراب فئة الشباب الذي يصعب عليها نتيجة هذا الواقع أخذ دورها الصحيح في تحمل المسؤوليات القومية، السياسية والاجتماعية والرياضية الملقاة عليها. وما يزيد من شعور الشباب بالاغتراب عدا عن الخطاب السياسي والرياضي، هو عدم شعور الشباب بالانتماء وعدم السماح لهم بأخذ دور ومكانة حقيقية في الحياة العامة، أي المشاركة الحقيقية في العمليتين الإنتاجية (توزيع الدخل الاجتماعي) والسياسية (صنع القرار/ السياسات وبخاصة الرياضة)، إذ أن الشباب ليس له دورا واضحا في تحديد معالم الدولة وهناك ارتياب وشك كبير في أن تركهم على عاتقهم أو إيلاء مسؤوليات عامة لهم في صنع القرار قد يزعزع الوضع الراهن، ولذا يبقون محاصرين ومساهمتهم لا تتعدى التنفيذ. يتبع...