لم يعد الخطاب السياسي موهبة إلهية، وقدرة بلاغية، وظاهرة صوتية؛ يجب ان تتوفر في الخطيب السياسي وحسب، بل أصبح علما واضح المعالم، يرتكز على قواعد مضبوطة، ومناهج محبوكة، سواء من حيث النص،او من حيث عملية التوصيل والإلقاء ، انه علم مثل علم الطب يغترف من العلوم النظرية، ولكنه لا يترسخ الا بالمران والتطبيق، كذلك الخطاب السياسي فانه يقع ما بين العلم النظري والعلم التطبيقي؛ فإذا تم تجاهل هذه القاعدة يصبح الخطاب عديم الفائدة؛ قليل التأثير. والخطاب السياسي يدخل ضمن علوم الاتصال والإعلام التي تزداد وقعا وتأثيرا بازدياد التعمق في دراستها، واحترام مناهجها، والتزام قواعدها؛ فدقة المعلومة وصدقها، وسلامة الفكرة وموضوعيتها، وصفاء اللغة ووضوحها، وعمومية المرجعيات التعبيرية وشموليتها؛ كلها عوامل؛ ضروري مراعاتها، وواجب التزامها، وإلا أفضت الى ما لا تحمد عقباه . وينبغي الإشارة الى انه في البلاد العربية؛ وبفعل كثير من الأمور، قد هيمنت اللهجات الوطنية، فهناك المصرية، والشامية، والتونسية، والمغربية، الا في بلادنا الجزائر؛ وبفعل التخريب الاستعماري، وشساعة الجغرافيا، لم يتم ذلك، فظلت لهجة القصبة في القصبة، وقسنطينة في قسنطينة، ووهران في وهران، وهو بكل تأكيد امر يهدد الوحدة الوطنية . ونجم عن ذلك في الخطاب السياسي ما يمكن وصفه Åبظاهرة الفهوم Åالمختلفة والمتناقضة للخطاب، وهي ظاهرة لا تساعد على عملية التوصيل السليم، كما تؤدي الى اثارة Åالبلبلة او الاصطدام لدى المتلقي، بل وفي بعض الأحيان الى تشتيت شمل الجمهور بفعل الفهوم المختلفة لمفردات الرسالة، ويدخل في هذا المجال كيفية استعمال التعابير الجاهزة، وحسن استعمالها، ومراعاة توقيتها، واحترام فضائها، وهو امر لم ينجح فيه منتجو الخطاب السياسي في بلادنا؛ الا من رحم ربك، وواضح ذلك في ما يحصل باستمر للوزير الاول السابق السيد عبد المالك سلال؛ ناهيك عن الاستغلال السياسي غير النزيه لعثرات الخطاب . لذلك فان الخطاب السياسي الذي لا يستند الى لهجة سائدة بين أفراد المجتمع يظل عديم الفائدة من حيث التلقي للمجموعات الاخرى التي لا تقاسم الخطيب نفس اللهجة، وبالتالي لا يؤدي وظيفته كما يجب في خلق الرأي العام الوطني، او التأثير فيه، او تعديله ومن هذه الزاوية تدبرت اغلب البلدان العربية لهجتها السائدة التي أصبحت وطنية، وقد تم ذلك من خلال السياسة الثقافية للدول الجزائر تفتقد الى ذلك، واهم أدواتها الاغنية والمسرح والسينما،،الخ، وتعتبر حالة مصر من ابرز الأمثلة على ذلك، حيث تسود لهجة القاهرة التي صارت لهجة وطنية، بينما بقيت لهجات الصعيد والنوبة وسينا ،،، لهجات محلية، بل وبفضل السياسة الثقافية صارت تلك اللهجة القاهرية تسيطر على الفضاء العربي كله، اما في الجزائر، وفي ظل غياب سياسة ثقافية ( لاحظوا برامج المترشحين للانتخابات الرئاسية الجارية، حيث يكاد تنعدم منها البرنامج الثقافية بل وحتى مفردة الثقافة، وان وجدت فإنها لا تتجاوز حدود التربية والتعليم، وفي ذلك إغراق للثقافة وتعويم لها ) فقد ترك الامر على الصورة التي أرادها الاستعمار، اي لهجات متعددة، وبمفردات اكثر تعددا، الى درجة إختلاف الفهوم وتناقضها، وهو ما اخل بوظيفة الخطاب السياسي، وليس دائماً كما يقال في الاختلاف رحمة بل في هذه الحالة صار في الاختلاف نقمة)، لانه يؤدي الى التشتت والتفكك ، بل وتدمير احد أركان الوحدة الوطنية.