حاز الطالب الباحث سعيدي دراجي، نهاية الأسبوع الفارط، على شهادة دكتوراه العلوم تخصص في الأدب العربي قديما وحديثا، حيث قدم أطروحة حول »فاعلية السياق وحركية التأويل في مواقف النفري ومخاطباته من البنية إلى القراءة«، موضوع البحث الذي نال به صاحبه درجة »مشرف جدا مع تهنئة«، كان محل نقاش واسع من طرف أساتذة الأدب العربي بجامعة الجزائر ,3 الذين خاضوا رفقة الطالب في عالم الصوفية والتصوف في الدين الإسلامي من خلال نصوص النفري التي كانت محل بحث عديد من الفلاسفة والمفكرين عبر الأزمنة والعصور. استهل الطالب الباحث عرضه حول مواقف النفري في عالم الصوفية بالحديث عن الصوفية الذين قال إنهم جاؤوا بأدب على قدر كبير من الأهمية وهو ما لفت انتباه الدارسين إلى الخطاب الصوفي وكيفية تشكله وطرق اشتغاله في كتاباتهم الإبداعية، ليؤكد أن الكتابات الصوفية كنتاج نصي متوفر استمر يشبع إحساس الإنسان ببعده الروحي ويقدم قوة اقتراحية للإنسانية الهائمة في أودية التيه بين المذاهب والتيارات التي فقدت بوصلة اليقين. وفي هذا السياق، أوضح الباحث سعيدي دراجي، أن الصوفية كانوا يعبرون عن مقاصدهم نثرا أو شعرا مقيدين بالكتابة في سائر الأحوال وقد ساعد الصوفية على ذلك جدية التجربة والإخلاص للحق وتعظيمه مع قصدية التوصيل ومحبة الخلق، ومن ثم طرح الباحث عددا من التساؤلات المرتبطة بأطروحته، هل يمكننا أن نتصور تصورا واضحا ماهية التجربة الوصفية ومعرفة حدودها؟ أهي تلاق إملائي أم إبداع ذاتي أم هما معا وهل لهذا الإبداع وتلقيه معايير موضوعية يستند إليها أم هو تجربة ذاتية تذاق لتعرف وما غايتها؟ ما موضوعة المعرفة وما مراتبها عند النفري في سياق التصوف الإسلامي الذي يندرج تحت ظاهرة التصوف بأبعادها الكونية؟ واعتبر سعيدي دراجي هذه الأسئلة الإشكالية الحائرة حول مدونة النفري وأنها تمثل نواة هذه الدراسة التي لا تزال تفتقد إلى مزيد من البحث، كما أنه من دواعي اختيار هذا الموضوع تتلخص في كون التجربة الصوفية هي الآن محط اهتمام كبير عربيا وغربيا، باعتبارها بعدا جديدا يضاف للنص الأدبي وتعتبر بمثابة ثورة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي. ومن ثم أشار الطالب إلى خطة البحث، الذي استهله بمدخل تأسيسي نظري حرص فيه على أن يكون التأسيس النظري محاولة لضبط بعض المفاهيم والمصطلحات المتداولة في مقاربة الموضوع، فيما عالج الفصل الأول موضوعة المعرفة الصوفية في تجربة النفري، وتناول في الفصل الثاني معراج النفري وكيفية تدرجه في سلم الترقي الصوفي، في غياب ثنائية ثقافة الشيخ والمريد عند هذا الصوفي، أما الفصل الثالث فقد تطرق الباحث من خلاله إلى حركية الذات المبدعة ومقصديتها وإستراتيجيتها في إنتاج الخطاب وإلى حركية النص من خلال مكوناته اللسانية ومعايير النصية فيه وإلى تلقي النص وإشكالات تأويله. وحاول دراجي سعيدي في الفصل الرابع إبراز دراسة جمالية الصورة والرمز في نص النفري بناء على الظاهرة الإبداعية الخلاقة التي تكشف التوتر بين اللغة والرؤية وتعرض في الفصل الخامس إلى مدى انطواء نص النفري على ضروب الإيقاع وكيف تشكلت بنية التوازي الإيقاعية وغيرها من أنماط الإيقاع في نصه، فيما اقتحم الباحث في الفصل السادس والأخير من بحثه عالم التشكيل البصري لنص النفري اعتمادا على تجاور البنيتين اللغوية والبصرية وإمكانية تأويل التمثل الخطي لنص النفري. خلال النقاش أشاد عضو اللجنة المشرفة على الأطروحة فاتح علاق، بشخصية الباحث البارزة والتي كانت طاغية في البحث، إضافة إلى سمو اللغة التي تحكم فيها الطالب، وجرأته على تناول مثل هذا الموضوع، فيما انتقد منهجية البحث التي قال إن البحث قد أشاع النفري في دراسته بين المتصوفة الآخرين وهو ما اعتبره خروجا عن الموضوع، وقال غن الباحث لم يرجع إلى من درسوا نصوص النفري واكتفى بالاستئناس بها في أفق ضيق، وختم بالإشارة إلى حسن تحليل الباحث لنصوص النفري لا سيما تلك تتحدث عن علاقة الخالق بالمخلوق. من جهتها حيت العضو آمنة بلعلى، قدرة الطالب على الإلمام بهذه الثقافة الصوفية، البلاغية والغوية، والتي اعتبرتها دليل على وجود ثقافة واعية لدى الباحث الذي كان ملما بالموضوع إلماما كبيرا بلغة نقدية واصفة وسليمة من الأخطاء، وبالمقابل أعابت المتدخلة على الطالب استعانته بكل السياق في دراسة نص النفري، حيث كان من المفترض أن يستعين بما يناسب النص فقط، كما طرحت وجود إشكال منهجي في البحث، لأن الطالب التزم في البداية باعتماد المنهج التداولي ولكنه سرعان ما تشعبت به السبل واعتمد على عدة مناهج وهذا ما جعله في رأيها يحيد عن النفري ويجعل القارئ يبحث عنه طيلة البحث. وختم رئيس اللجنة حميدي خميسي المداخلات بالإشارة إلى المعضلة المروحة في هذه الأيام، حيث أن الباحثين يريدون أن يصبوا جميع المعلومات في رسالتهم ويصعب عليهم التخلص منها وكأنها تصبح جزء منهم وهذا ما يؤخذ على الباحث الذي فصل بين النظري والعملي، ليؤكد في الأخير أن الطالب دراجي سعديي قد عملا مميزا، وبعد المداولات قررت اللجنة منح الطالب شهادة دكتوراه في الأدب العربي بدرجة »مشرف جدا«.