ارتفعت المخاوف من الخطر الذي أصبح يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأصبح الكل ينتظر طبيعة الحلف الذي تسعى أمريكا إلى تشكيله والتدخل العسكري الذي يرتقب أن تقوم به، هل سيسمح ب »تطهير« العراق وكل المنطقة من خطر التكفيريين أم سيساهم في تسمين الجماعات المتطرفة وتوسيع دائرة نشاطها إلى منطقة شمال إفريقيا، خصوصا الجزائر التي أصبحت المخاوف حقيقية من أن يتمكن تنظيم البغدادي من اختراق حدودها والعودة بالأوضاع الأمنية بها إل مربع البداية. نهاية العطلة الصيفية وحلول موعد الدخول الاجتماعي لم يسمح بعودة الدفء إلى الساحة السياسية التي لا تزال تسير بالريتم الصيفي الثقيل وبسيطرة الأخبار الأمنية المرتبطة بالنشاط الإرهابي على المستوى المحلي أو الدولي، ويبدو أن استمرار تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في توسعه خصوصا في العراق وارتفاع مخاوف الغرب من هذا التنظيم، قد زاد من المخاوف حول احتمال انتقال هذا التنظيم إلى شمال إفريقيا وخاصة إلى الجزائر التي تعاني منذ سنوات من مشاكل أمنية خطيرة على حدودها تضاف إلى وضع داخلي يميزه من حين لأخر حراك سياسي واجتماعي غير طبيعي. ويبدو أن وصف التغييرات المفاجئة التي أعلن عنها مؤخرا وشملت ضباط سامين في الجيش ومسؤولين سامين ومستشارين برئاسة الجمهورية بأنها »تسونامي« ضرب مؤسستي الرئاسة والجيش، يعبر في الواقع عن عدد الذي مستهم هذه التغييرات في انتظار معرفة ما إذا كان الهدف هو تطعين المؤسستين بإطارات جديدة بمعنى أن يكون التغيير عادي وطبيعي، أو له علاقة بما يروج حول الصراع المزعوم في أعلى هرم السلطة بين العصب على حد تعبير بعض المهوسين بأطروحة الصراع في تحليل وتفسير كل ما له علاقة بقضايا الحكم والسلطة في الجزائر. لا يمكن حقيقة التغاضي عن أطروحة الصراع التي تبقى مهمة في فهم الكثير من الأسرار وتفسير أغلب الأزمات التي يعيشها النظام في الجزائر في مختلف أنساقه، لكن ربما التغييرات المعلن عنها هذه المرة تفلت من هذه الأطروحة، خاصة وان أغلب الذين تمت تنحيتهم من مناصبهم أحيلوا عل التقاعد، ثم لم يعرف عن هؤلاء أي ميولات إلي طرف من الأطراف ومن الصعب جدا ربط القرارات الخاصة بهم بمسالة الصراع التي اعتمدت مثلا في تفسير بعض القرارات على غرار تلك المتعلقة بإعفاء رئيس الحكومة وأمين عام الآفلان السابق عبد العزيز بلخادم من أي مسؤولية في مؤسسات الدولة والحزب. واللافت أن التغييرات التي أعلن عنها ومست مسؤولين في الرئاسة والجيش لم تكن بمعزل عن الحركات التي تشهدها مؤسسات الدول الحساسة وقد أعلنت حركة في أسلاك الجيش والأمن والقضاء ..الخ، والمعروف أن العديد من مؤسسات الدولة تعرف حركة قبيل أي دخول اجتماعي تمس المسؤولين في مستويات عليا، وهي طبيعية وعادية تندرج ضمن طبيعة المسؤوليات المعنية بالحركة لتحسين أداء المسؤولين. والحقيقة أن الدخول الاجتماعي ليس فقط فرصة للقيام بحركة على مستويات معينة، فهي أيضا مناسبة تمتحن فيها بعض المؤسسات في ظل التهديدات والتلويح بالإضراب الذي يشمل بعض القطاعات على غرار قطاع التربية الوطنية الذي يعرف التحاق ملايين التلاميذ بمقاعد الدراسة ويطرح إشكالات كبيرة لها علاقة بتوفير الوسائل والإمكانيات لضمان دخول اجتماعي ناجح، هذا على المستوى الاجتماعي، وأما على المستوى السياسي فيبدو أن إشارة الانطلاق أعطيت منذ فترة في الجامعة الصيفية للمعارضة التي تعتبر مناسبة للعديد من الشخصيات والتشكيلات السياسية للقيام بنشاطاتها. تحول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصارا باسم »داعش« إلى هاجس حقيقي بالنسبة لأغلب الدول الغربية التي تراقب عن قرب انتشار هذا التنظيم وتوسع رقعة تواجده وزحفه المستمر على المزيد من المناطق في سورياوالعراق، وتنتظر على ما يبدو تشكل قناعة محلية ودولية بضرورة التدخل للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي الذي ملأ الدنيا ضجيجا بسبب المجازر التي ارتكبها والإعدامات الجماعية التي قام بها في الكثير من المناطق خصوصا ضد بعض الأقليات ومنتسبين إلى عدد من الطوائف على غرار العلويين..الخ التحالف الدولي الذي تقوم أمريكا بتشكيله لمحاربة تنظيم »الدولة الإسلامية« يطرح بحد ذاته إشكالات تتعلق بحدود التدخل الأمريكي والغربي، هل يقتصر الأمر على تطهير العراقوسوريا من »داعش« أم يأخذ التدخل أشكالا أخرى قد تساهم في فرض الرؤية الأمريكية للحل في العراق وحتى في وسوريا التي كانت إلى الأمس القريب تنادي المجتمع الدولي من دون أن يصغى لها أي احد وتحذر من أن الإرهاب الذي تدعمه أمريكا وفرنسا وبريطانيا وأعراب الخليج سوف يكبر ويتحول إلى غول يهدد دول المنطقة وحتى الدول الغربية التي ربما اعتقدت أنها في منأى عن خناجر وقنابل جماعة البغدادي. أمريكا والغرب عامة ينظر إلى »داعش« كتنظيم إرهابي ربما يخلف القاعدة أو بالأحرى ينقل النشاط الإرهابي من الخلايا السرية إلى العمل العسكري المباشر، فهذا التنظيم الإرهابي الذي ولد في السنوات الأخيرة وتوسع بفعل الأزمة السورية وتقاطر المقاتلين من مختلف الأقطار العربية على سوريا في إطار عمل قامت به الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لأمريكا وبعض الدول العربية الخليجية، سوف ينقل النشاط الإرهابي إلى مستوى يمكن معه التدخل بشكل مباشر وهذا خلافا للإشكالات التي كانت تطرحها عملية مكافحة إرهاب القاعدة في السابق، ومن هذا المنطق يعتقد البعض أن »داعش« هي صناعة أمريكية -إسرائيلية، وأن الغرض من هذه الصناعة إنما إغراق العالم العربي بالفوضى في اعنف صورها، ومن ثمة تمهيد الطريق للتدخل العسكري الأمريكي المباشر بعدما يصبح التقسيم في الكثير من الأقطار العربية ضرورة لا محيد عنها كما هو الشأن في العراق مثلا حيث أعلن مسؤولون في البيت الأبيض، بعدما تفشى خطر »داعش« وأصبحت فلول هذا التنظيم على مرمى حجر من العاصمة بغداد، أن الحل في العراق لا يمكن أن يخرج عن التقسيم وتبني نظام فيدرالي يسمح للسنة والشيعة والأكراد وباقي الطوائف من أن تستقل بأقاليمها ثم تتوحد إراديا مع باقي مناطق العراق الأخرى. هذا »الحل« أو بالأحرى الوصفة الأمريكية التي تندرج في الواقع ضمن مخطط قديم وضمن ما سمي بالشرق الأوسط الجديد، قد تطبق أيضا في العديد من الأقطار العربية على غرار سوريا واليمن وليبيا، واحتمال نقلها خارج إطار هذه الدول العربية التي تعيش انفلات أمني خطير ممكن جدا، وهنا يطرح الكثير من المتتبعين تساؤلات جدية حول توسيع »الفوضى الخلاقة« لتشمل اغلب البلدان العربية وقد تكون »داعش« أحسن وسيلة تلجأ إليها أمريكا وغيرها من البلدان الغربية الحليفة لها، وهنا تصبح مسالة خلق العديد من »الدواعش« مسألة مهمة يجب آخذها على محمل الجد، ويصبح الحديث عن التهديد الذي تمثله »داعش« بالنسبة للجزائر وكل أقطار المغرب العربي وشمال إفريقيا حقيقة وليس مجرد هوس يسكن بعض المحللين والمتابعين للشأن الأمني في العالم العربي. لكن هل هناك أرضية مناسبة تسمح ل »داعش« بأن تنتقل إلى الجزائر وما مدى صحة التقارير الأمينة التي تقول بان تنظيم البغدادي يحاول بكل الطرق والوسائل الانتشار في شمال إفريقيا انطلاقا من ليبيا، والجواب قد تحمله الأيام المقبلة، علما أن هناك حديث عن خلافات داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بين المؤيدين لمبايعة »داعش « والرافضين لهذه المبايعة حتى من القيادات الإرهابية القريبة من زعيم الفرع المغاربي للقاعدة عبد الملك درودكال. ويبدو أن عين »داعش«هي أيضا على منطقة الساحل جنوب الصحراء،فهذه المنطقة المعروفة بهشاشة الدول فيها والمعروفة بشساعتها تتوفر على كل الأسباب التي تسمح بالنشاط الإرهابي ومن ثمة تنظيم الصفوف والقيام بعمليات تستهدف دول المنطقة أو المصالح الغربية خصوصا في الجنوبالجزائري، مع الإشارة إلى أن الجزائر هي المستهدف الأول من النشاط الإرهابي المحلي والمستورد لأسباب كثيرة لا يمكن ذكرها في هذا المقام. ويعتبر إطلاق سراح اثنين من الدبلوماسيين الجزائريين بمثابة انتصار حقيقي امني ودبلوماسي للجزائر، فرغم المدة التي استغرقها الأمن الجزائري في العمل على ملف هؤلاء الدبلوماسيين ورغم المخاطر وصعوبة المهمة خاصة بعد التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي عبر ما سمي بعملية »سيرفال« بقي الأمن الجزائري ماسكا بخيوط القضية إلى أخر مطاف، وكادت أن تكون الفرحة شاملة وكاملة لولا الإعلان عن وفاة قنصل الجزائر بغاو بوعلام سايس بسبب المرض، حسب ما أعلن عنه رسميا وتأكيد مقتل نائب القنصل الطاهر تواتي على يد خاطفيه.