لم تكن الدولة الإسلامية في العراق والشام تشكل خطرا إلا عندما استهدفت الصحفي الأمريكي الذي ذبحته بأبشع الطرق. فالصور والفيديوهات المريعة التي كان التنظيم ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ممارسا من خلالها جهاد الرعب والترهيب، لم تكن لتهز مشاعر الغرب لما كان الضحايا عربا ومسلمين، وقتها كانت “داعش” ثوار ديمقراطية يتلقون الدعم الأمريكي والتمويل السعودي بالمال والسلاح عبر الحدود التركية. ومثل القاعدة التي كانت حليفا لأمريكا كتنظيم صنعته مخابراتها، قبل أن تتفطن هذه إلى كونها خطرا يهدد الحضارة الغربية، تنعت أمريكا اليوم داعش بالإصبع وتحث العالم لمحاربتها، لما استهدفت مسيحيي العراق، وهددت منابع النفط في المنطقة وبعدما نفذت تهديدها في صحفي أمريكي. حتى بريطانيا الحليف الأمريكي في خيارات الشر والتي كانت في سنوات مضت قبلة “للمجاهدين” يعبرون منها إلى أفغانستان ميدان القتال ضد الروس، العدو التقليدي لأمريكا، تجرّم اليوم كل من يسجل أو يشاهد فيديو مقتل الصحفي الأمريكي، بينما كان بإمكان إدارة اليوتوب الأمريكية أن تغلق الصفحة والصفحات الأخرى المروجة لعنف داعش الذي يشكل حربا نفسية تعبد أمامها الطريق لهدم خصومها نفسيا، حتى قبل أن تصل إليهم، لكنها لم تفعل. وحتى الحرب المزعومة التي تقودها أمريكا ضد داعش في العراق مشكوك في أمرها. وقال العراقيون إنها ضربات جانبية لم تلحق أي أذى بالتنظيم الذي يتمتع بأجود أنواع الأسلحة وبالأموال. ويطرحون تساؤلات في الصميم. فقد استولت داعش بالعراق على السلاح الذي أرسلته أمريكا للجيش العراقي بسهولة، فهل كان ذلك ممكنا لو لم يكن بتواطؤ أمريكي؟! لكن لإطلاق يد داعش في سورياوالعراق أهداف أخرى بدأت تظهر جليا هذه الأيام، وها هو قائد أركان الجيش الأمريكي يقول أول أمس من البنتاغون، في ندوة صحفية، إن قتال داعش في العراق لن يكون ناجعا، ما لم نحاربها في سوريا، ولا بد من ضرب داعش في سوريا للتأثير فيها. ويستشهد وزير الدفاع من جهته بأن هناك أكثر من 12 ألف مقاتل من 50 جنسية يقاتلون في سوريا؟! فهل من يتذكر تهديدات أمريكا السنة الماضية في مثل هذا التوقيت، عندما كان أوباما يسعى لافتكاك موافقة الكونغرس في جلسة ال9 سبتمبر من السنة الماضية، ليوجه ضربات إلى سوريا بعد اتهامها باستعمال الكيمياوي ضد أطفال الغوطة؟! لكن الكونغرس لم يوافق، وأجبر أوباما على التراجع عن قراره لما هددت روسيا بأنها سترد في حال تدخلت أمريكا أو أية قوة عسكرية أخرى في سوريا، وهددت بضرب قطر أو السعودية أو أي أهداف أخرى بما فيها أهداف أمريكية في البحر المتوسط. فهل مقتل الصحفي الأمريكي المأسوف عليه في سوريا من طرف داعش هو الذريعة التي تبحث عنها أمريكا لتوجيه ضربة موجعة إلى النظام السوري بعدما استحال إسقاطه من قبل معارضة دموية صارت تشكل خطرا على المنطقة أكثر من خطر بشار نفسه؟! ألم تكن داعش سوريا صديقا “لماك كين” الذي أظهرت صور لقاءات جمعته بقيادات جهادية من بينها صورة اعتبرها ناشطون على المواقع أنها لأبي بكر البغدادي، أو مثلما يكنى “أبو دعاء” الذي كان حتى 2011 اسمه مدرجا في قائمة الإرهابيين المطلوب رأسهم من قبل أمريكا والأمم المتحدة مقابل ما لا يقل عن 10 ملايين دولار لكل من يساعد على الوصول إليه، فإذا به يجتمع بالسيناتور الجمهوري “ماك كين” الذي دخل إلى سوريا خفية ليساهم في تأجيج الصراع والانقلاب على بشار. اللعب مع داعش وبواسطة داعش في منطقة الشرق الأوسط خطير وخطير جدا، ولن يتوقف أذاه في المنطقة، فمثل القاعدة سينقل مقاتليه وقنابله وسكاكين قطع الرؤوس إلى الغرب، وستفوق جرائمه جرائم القاعدة؟!