ناقم، سئم، متألم مما آلت إليه الأوضاع في ليبيا.. الروائي الليبي محمد الأصفر، في حوار خص به «صوت الأحرار» يحاول وضع النقاط على الحروف بلغته وأسلوبه البعيدين كل البعد عن اللباقة والدبلوماسية والتملق.. يعري واقعا عربيا كشف عن وجهه الحقيقي في ليبيا الحبيبة التي لم تعد تصغي إلا لدوي القنابل وطلقات الرصاص.. واقع للموت يكتبه التقتيل في شعب طالما وصفناه بالطيب والهادئ والحنون.. حاولنا في هذا الحوار الصريح مع الروائي الليبي محمد الأصفر سحب القناع من على وجهنا الدميم لنكتشف وجها أكثر قبحا.. ● نتابع باهتمام ما تنشر مؤخرا، فنشعر بمدى الصدمة التي تشعر بها ويشعر بها المثقف الليبي من واقع ما آلت إليه ليبيا الحبيبة. تعليقك؟ ¯ لا أشعر بصدمة لأن هذا الأمر متوقع جدا ولابد من دفع ثمن الحرية بنفسك ومن دمك ، هذه الاضطرابات الدامية تحدث عقب كل تغيير سياسي ، هي عملية تنظيف ذاتية لأقذار الديكتاتورية السابقة ، المتصارعون الآن يقومون بذلك لتنظيف أنفسهم عبر الحرب القذرة المتمثلة في الاتكال على الأجنبي والاغتيالات المتبادلة والصراعات السياسية التي لا يقصد بها بناء البلد إنما تصفية حسابات فيما بينهم ، هذا الزمن القليل الذي مر منذ الاطاحة بنظام القذافي كشف للشعب الكثير من الحقائق ، مناضلون ومعارضون فقدوا احترامهم وبانت سطحيتهم وكذبهم وطمعهم ، الآن المشكلة بيننا وبين القذافي انتهت ، من له ثأر أخذه ، ما نعيشه حاليا هو مشكلة بيننا وبين أنفسنا ، لقد قمنا بثورة لقتل الظلم فقط ، وتبقى الثورة الحقيقية التى نحتاجها الآن وهي ثورة لقتل التخلف وبدء البناء. ● ولكن ما يحدث يؤثر في نفسية المواطن الليبي والمثقف بشكل خاص. كيف ترى دورك كمثقف وروائي في خضم كل ما يحدث؟ ¯ للأسف ليس لنا أي دور ، لقد تركنا الحلبة للأوباش لتخوض في بحيرة الدم ، نحن نتعامل مع الشعب ، والمتصارعون الآن ليسوا من الشعب ، عصابات مدعومة من الخليج ومن الغرب لنيل مكاسب مادية وتمرير عقود الخ ، دور المثقف الليبي ظهر في الثلاث شهور الأولى للثورة ، واتضح قبل الثورة في التمهيد للثورة والدفع بها ناحية الانفجار ، الآن معظم المثقفين الليبيين غير مقتنعين بهذا الصراع ، هم بالنسبة للمتصارعين أعداء ، سواء انحزت للطرف هذا أو ذاك أو ظللت مستقلا ، ليس هناك مثقفين تقلدوا أي مناصب حتى الآن لتصحيح الأوضاع ، الآن الملعب مكتظ بالقبيلة والجهوية والتطرف الديني ، المثقف الليبي حاليا يراقب الوضع ليرى أين ستنتهى الأمور ، لا داعي لدخول معركة .. مادامت المعركة محتدمة والذي تريد أن تفعله أنت يفعلونه هم بأنفسهم .. نراهن على الزمن .. وننتظر أن يصطدم رأس الجميع بالجدار ، ليتم الالتفات لشيء اسمه ثقافة .. انذاك يمكننا لملمة كل الأشياء وصبها في قالب ليبي من جديد وبالطبع لن يعجز المثقف الليبي في ذلك .. فلدينا ايقونات وتيمات وهواجس وقيم وأخلاق ما ان نطلقها سيلتف حولها كل الليبيين - ليبيا تجمعها مباراة كرة قدم ، حيث الفريق من كل مدن ليبيا وقبائلها وفي الملعب لا هدف له له سوى الفوز بالمباراة .. لوتسلم وزارة الثقافة ووزارة الاعلام للمثقفين ستحل كل مشكلات ليبيا .. الآن تصول وتجول فيهما بضعة حيوانات لا تجيد شيئا سوى أكل الغلة وهز الذيول. ● هل الوضع بهذه السوداوية؟ ¯ نعم الليبيون يحبون الثورات ويكرهون الديمقراطيات .. أي يجبون الديمقراطية إن جاءت في صفهم وجعلتهم يفوزون في الانتخابات - ان خسروا يقلبون المعبد على من فيه - لا توجد لدينا روح رياضية وتقبل الخسارة - أزمة ثقافية عميقة تعشش في النفوس منذ زمن طويل ، البيئة الصحراوية والريفية تختزل الحياة في فوز او خسارة ، التعادل مفقود .. وغالبا ما يتم إجراء قرعة في أي حالة تعادل ، درسنا التاريخ لكن لا نقبل بأن نجعله استاذا - غالبا ما نقول ان جنوب افريقيا ليس مثلنا واسبانيا وحربها الأهلية ليس مثلنا وكذلك كوزفو والبوسنة والهرسك وايرلندا وغيرها - وكذلك الجزائر في عشريتها السوداء - نحن حالة خاصة - نعم الآن لدينا حرب في طرابلس وبنغازى - لكن الحياة تسير بشكل طبيعي - الحرب في جهة وفي عدة شوارع ويوجد نازحين ومدارس مقفلة وغيرها لكن هذا الأمر لم يجعل الليبيون يتوقفون عن العمل وهذا أمر جيد وموقف شعبي من أن هذه النزاعات لا تمثل الحياة ولا تمثل الشعب وحتما ستنتهى وعموما الشعب ان اراد ان يوقف هذا العبث فلا يحتاج الا لثلاثة ايام يخرج فيها في الشوارع ويطرد الجميع كما فعل مع نظام القذافي انذاك 4 أيام انتهى كل شيء - لكن الشعب لا يخرج إلا في ساعة صفر حقيقية .. ● مؤخرا، تعرض مجلس الثقافة الليبي لهجوم مسلح.. هل من قراءة خاصة لهذا الهجوم؟ ¯ ربما يكون سبب الهجوم مشاركة المجلس في مهرجان أيام بنغازى الثقافية وتكريمه لفقيد الصحافة رئيس تحرير جريدة برنيق الذي اغتيل في مايو الماضي ومنحه جائزة تقدير واطلاق جائزة الأداء الصحفي باسمه وربما الأسباب جنائية حيث السلاح متوفر ولا توجد في المدينة شرطة وربما يكون الأمر مفتعلا لحرق وثائق أو أوراق في غياب التحقيقات البوليسية كل شيء وارد ولكن الاعتداء على الممتلكات العامة خاصة ذات الصبغة الثقافية عمل أرعن ومستهجن ومستفز ويقصد به في الأساس قمع الرأي والحرية والتنوير ، في كل الأحوال لا يمكن توجيه اتهام لأي أحد ، فربما يكون الأمر تم من أجل خلط الأوراق الآن في ليبيا كل الجرائم غامضة وكثير من المثقفين يعتقدون بأن مخابرات أجنبية لها أصابع سوداء في كل ما يحدث ، لكن الشعب بدأ يعود الى دوره الايجابي في متابعة الجريمة التى تحدث أمامه وتخلص تقريبا الآن من حالة اللامبالاة التى كان فيها - اول امس تعقب مجرمين حاولوا القيام بعملية اغتيال وقضى على واحد منهم وهرب الباقون وعودة الفزعة والمروءة للناس شيء ايجابي سيختصر الكثير من الأمور الهادفة الى تحسين الوضع الأمنى وفرض الاستقرار. ● لماذا خفت صوت المثقف العربي كلما تحدث عن ليبيا؟ أهي الصدمة من تحول الحلم إلى كابوس؟ ¯ ليبيا ليست في اهتمام المثقف العربي ومن الدول المنبوذة اليه ويتضح ذلك في نشر الكتب والمشاركة في الفعاليات الثقافية العربية وفي نيل الجوائز وغيرها - المثقف العربي صدم لأن الليبيون قاموا بثورة حقيقية وقدموا شهداء وقضوا على ديكتاتور في شهر واحد وقبل ان يتدخل المجتمع الدولي لمساعدتهم - المثقف العربي لديه موقف من اى نجاح او تفوق ليبي في اي مجال وهذا كل شيء فمتى كان صوت المثقف العربي مرتفعا من اجل ليبيا حتى يخفت؟ نحن لا نعول على المثقف العربي في شيء نأمل أن يتفرغ لشغله ويتركنا في حالنا ، سنتدبر أمورنا وسنخرج من عنق الزجاجة بطريقتنا وموقفه الداعم لنا لا نحتاجه وليحوله الى غزة أو سوريا أو أي بقعة تحتاج إلى هراء أيضا. ● أنت تنكر حقيقة المساندة الرهيبة التي أبداها كل مثقف عربي للثورة الليبية اثناء نشوئها وفي خضم مقاومتها للقذافي؟... ¯ لم أشعر للأسف بتلك المساعدة معظم المثقفين المعروفين استهزأوا بثورات الربيع العربي وشككوا فيها ويفعلون ذلك إلى الآن ربما يكون وللأسف اليهودي الفرنسي برنار ليفي الوحيد الذي وقف الى جانبنا وجاء الى الجبهة البقية يشتغلون في جرائد ومجلات خليجية وعربية ممولة يتجهون بالرأي إلى حيث يقودهم المقود نحن مازلنا نتذكر مواقف عبدالباري عطوان ومحمد حسنين هيكل وسعدي يوسف وادونيس وغيرهم من المعروفين ولا داعي لنكأ الجرح وما قدمه لنا وسيقدمه لنا المثقفون شكرا لهم بلدانهم اولى به بجهدهم واتحدث كراي شخصي، حيث انى لا أمثل اي مثقف ليبي او وزارة او غيرها ويمكنك ان تجد كاتب ليبي يقول غير ما قلت وهذا أمر طبيعي . ● بصراحة- وكسؤال أخير- هل انت تحلم بالغد؟ ¯ نعم نحلم بغد عادي وليس قبيحا أو جميلا ، نعرف أن ليبيا ستتجاوز الأزمة مهما ارتفعت نافورة الدماء ، نحن ندفع ضريبة لأنفسنا ، وعندما يقول لنا محصل الحرية توقفوا لقد استوفيت حقي ستشرق الشمس ، الآن ربما لا نسمعه بسبب الصخب وننتظر أن يربت على أكتافنا أو ينكزنا كي نتوقف .. نحن سعداء في ليبيا لأننا نخوض حربا مع أنفسنا وليس مع الغير وهذه طريقة صحيحة لتصحيح الأوضاع بشكل جذري .. الآن تتحقق بعض نبوءات الشيخ الصوفي عبدالسلام الأسمر .. العملة ورق والمعيشة شرق .. جاك الخلى يا زوارة، ويا زاوية نبشرك بالهم، وجنزور هي الإشارة، ويا طرابلس يا حفرة الدم.. بصراحة نحن كليبيين لا نريد اي شيخ جليل نعتقد في زهده وعلمه منا أن يغضب .. خاصة سيدي عبدالسلام الأسمر المعروف عربيا وعالميا وصاحب الكتب القيمة التي لم تنتشر بعد بالشكل المقنع . محمد الأصفر في سطور كاتب ليبي من مواليد 1960م بسوق الخميس الخمس، نشأ في مدينة بنغازي. حصل على دبلوم معلمين عام 1979م وشهادة ثانوية أدبي عام .1982 كتب الأصفر في بعض الصحف الليبية والعربية والعالمية كأخبار الأدب المصرية والنهار والحياة والسفير والأخبار اللبنانية، ومجلة الدوحة القطرية، وجريدة العرب العالمية، وموقع الجزيرة نت وموقع قناة فرانس 24 وموقع قناة CNN وغيرها. كذلك كتب في جريدة نيويورك تايمزالأمريكية وجريدة الهيرالد تريبيون. وقد كتب مقال في صحيفة النهارعن رواياته: وكذلك صحيفة طنجة الأدبية عن استضافة المغرب للروائي الليبي الكبير محمد الأصفر. أصدر الأصفر حوالي 14 كتاباً روائياً على حسابه الخاص، حيث لم يسمح له في النظام السابق بطبع أي كتاب في ليبيا وكل رواياته كانت تصادر عندما تحضرها دور النشر للمشاركة في معرض الكتاب بطرابلس أو يحضرها أي قارئ أو صاحب مكتبة عبر الحدود البرية أو المطار. ولم يطبع له في ليبيا سوى مجموعتين قصصيتين هما حجر رشيد وحجر الزهر. معظم كتاباته الروائية والقصصية والصحفية تتناول الشأن الليبي خاصة من بعده الثقافي. من أهم رواياته: المداسة، تقودني نجمة، نواح الريق، سرة الكون، شرمولة. ترجمت له روايتان إلى اللغة الإسبانية هما رواية «فرحة» التي صدرت منذ شهور ورواية «ملح». ترجم له إلى اللغة الإنجليزية العديد من النصوص القصصية ومن المترجمين الذين ترجموا قصصه إلى اللغة الإنجليزية الروائي الليبي المعروف هشام مطر.