تواجه الحكومة برئاسة الوزير الأول، عبد المالك سلال، منذ بضعة أسابيع مستجدات طارئة تتمثل في التدهور المستمر لأسعار البترول ما جعلها تستعد بشكل جدي لتغيير النظرة المتبعة بخصوص عديد الملفات سواء تعلق الأمر بالمشاريع المختلفة المُقررة على مدى الخماسي المقبل أو ما تعلق بالمفاوضات التي تُجريها عديد القطاعات الوزارية مع النقابات باعتبار أن مطالب هذه الأخيرة تتمحور في مجملها حول رفع الأجور عبر إعادة النظر في أنظمة المنح والتعويضات. بلغ تدهور سعر سلة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، أمس الأول، إلى حدود 63.78 دولار للبرميل في أسبوع، وهو سعر لم تُسجله هذه المنظمة منذ 5 سنوات، ما سيُؤثر، حسب عديد الخبراء على ميزانيات هذه الدول التي بدأت بدورها تعترف بذلك، وهو الشأن بالنسبة للجزائر التي تصل نسبة مداخيلها من البترول 97 بالمئة، بحيث لم يشفع لها الارتفاع الذي شهدته الأسعار منذ بداية القرن الواحد والعشرين والتي بلغت حدود 140 دولار للبرميل سنة 2008، في إقامة اقتصاد موازي يُمكنها من تجنب أي طوارئ مثلما يحدث حاليا حيث انخفض السعر بأكثر من النصف مقارنة بالسنة المذكورة. وإضافة إلى المشاريع الاقتصادية الكبرى التي بدأت الحكومة تبحث عن صيغ أخرى لتمويلها خوفا من فقدانها بشكل كلي خاصة وأن هناك من المشاريع التي تمتد على مدى الخماسي المقبل، أي لغاية 2019، وهو ما تم تداوله في اجتماعين سابقين للوزير الأول مع وزراء القطاعات المعنية يتقدمها وزير المالية محمد جلاب، تصطدم بدورها مطالب النقابات التي تتمحور جلها حول رفع الأجور عبر مراجعة الأنظمة التعويضية نفس المسار، وهو ما أورده لنا أحد الإطارات بوزارة المالية، الذي لم يستبعد عدم لجوء الحكومة إلى أي مراجعة في هذه الأنظمة في حال بقاء أسعار البترول في المستوى الحالي. ومعروف في هذا الإطار أن جل مطالب النقابات بمختلف القطاعات الوزارية تتعلق بملف الأجور وهو الشأن مثلا بالنسبة لمطالب نقابات التربية بما فيها فئة الأساتذة، فئة المقتصدين أو فئة الأسلاك المُشتركة، هذه الأخيرة تتفرق عبر جميع قطاعات الوظيف العمومي، نفس الشيء بالنسبة لممارسي الصحة العمومية أو عمال شبه الطبي بقطاع الصحة أو بالنسبة لمختلف أنواع الترقيات المرتقبة والتي تتوزع بدورها عبر عدة قطاعات وتتطلب أغلفة مالية فرضها بشكل غير مباشر قرار الثلاثية المتضمن إلغاء المادة 87 مكرر المتعلقة بكيفيات حساب الحد الأدنى للأجور بالنظر إلى التقارب الموجود في أجور عديد الفئات. وحسب ذات المصدر، فإن الزيادات المرتقبة الناتجة عن إلغاء المادة 87 مكرر والتي اعتُمدت بشكل رسمي في لقاء الثلاثية تُشكل بدورها ضغطا على الحكومة في الوضع الحالي كونها تصل إلى 6 أو 7 ملايير دولار، لكن هذه الأخيرة، يُضيف، لا يُمكنها التراجع بما أن القرار اتخذه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتم إدراجه في قانون المالية 2015 الذي سيُوقع عليه نهاية الشهر الجاري موضحا أن بقاء أسعار البترول في هذا المستوى سيُدخل الجزائر بداية من قانون المالية 2016 في صعوبات كبيرة يجعلها تستنزف أموال صندوق ضبط الإيرادات. ويُعاب على الحكومات المتعاقبة على الجهاز التنفيذي عدم استغلال فُرصة ارتفاع البترول الذي شهدته السنوات الماضية لإقامة اقتصاد وطني قادر على تمكين الجزائر من مداخيل موازية لمداخيل البترول، أو على الأقل التقليل من تبعية الجزائر للبترول، وهو ما ذهب إليه عديد الخبراء وحتى الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين الحاليين للحكومة.