تبعثرت أو تبخرت الآمال والأحلام التي نسبها الكثير في عالمنا العربي والإسلامي إبان انتخبات باراك أوباما الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدةالأمريكية• سنة تمر على انتخابه•• وما يقارب السنة على جلوسه في المكتب البيضاوي ودخوله البيت الأبيض، ولا من شيء ملموس بالنسبة للقضية الفلسطينية فيما بخصنا نحن العرب الذين كانوا يأملون في شيء ما من رجل لا ينتمي إلى أي من اللوبيهات التي تتقاسم السلطة في أكبر وأقوى دولة في الكون• حقيقة، كان هناك خطاب القاهرة•• وقبله كان خطاب إسطنبول الموجهان للعالم الإسلامي•• غير أن الأمر بقي مجرد كلمات، إن عبرت عن النيات فإنها لم تتبع بأفعال أو ممارسات، وفي أول عهدته الرئاسية شنت إسرائيل عدوانها على غزة تحت مسمى الرصاص المسكوب وهو العدوان الذي صنف في خانة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية•• لكن إسرائيل، كما واشنطن يرفضان بشدة تحرير القاضي جولدستون• خلال جولتها الأخيرة في المنطقة العربية أدت تحركات السيدة هيلاري كلنتون إلى خيبات أمل كبيرة لدى العرب•• فهي لم تكتف بالتراجع عن الالتزام السابق بالتوقف الكامل للإستيطان فحسب، إنما قامت بتسويق الوهم الذي اعتبرته مبادرة غير مسبوقة من نتنياهو في تجميد جزئي ومؤقت لبعض المشاريع الإستيطانية باستثناء القدس، كما عمدت إلى الضغط على الرئيس عباس للقبول باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة• الشيء ونقيضه هو ما نسمعه من الولاياتالمتحدة راعية السلام الأولى والمحتكرة لملف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطنية، وهو الأمر الذي انتقده كوشنير الوزير الفرنسي للخارجية الذي ألح على أن يكون لأوروبا دورا في هذا المسار، ومن خلال ذلك يبدو أن الولاياتالمتحدة تسعى لأن تأكل أفواه الفلسطينيين والعرب الأشواك التي تعترضها في المنطقة، وهي أشواك تزرعها إسرائيل التي لا تأبه للإحراج أو الإزعاج الذي تسببه لحليفتها واشنطن• وفي اجتماعها ببعض وزراء الخارجية العرب في مراكش لم تقدم السيدة كلنتون أية أجوبة واضحة حول الأسئلة المطروحة عليها وهي مجرد أسئلة استعطافيه، وليست استنكارية، وتذكرني الواقعة باجتماع سابق منذ حوالي ثلاث سنوات عندما استدعت كاتبة الدولة في عهد إدارة بوش كوندوليزا رايس مجموعة من وزراء خارجية البلدان العربية في الخليج والمشرق وقادة المخابرات فيها للاجتماع معها في العاصمة عمان• وسيان إن كان ذلك لتلقي التعليمات حينئذ أو هو لتلقي النصائح والتوصيات كما هو أخيرا•• ففي الحالتين لا يملك العرب كما لا يملك الفلسطينيون إلا العباءة الأمريكية المرقعة• في كل الحالات الفلسطينيون كما العرب يجلدون، هذا أحد ثوابت التعامل الأمريكي معهم•• ما يتغير هو أن اليد التي تسلط عليهم السياط قد تكون مرتدية قفازا ناعما كما هو الحال اليوم أو مشدودة العضلات كما هو الحال في عهدتي بوش• تقول القاعدة النحوية التي تعلمناها في صبانا أن العرب لا يبتدئون بساكن ولا يقفون على متحرك•• وقد تصح القاعدة حين يتعلق الأمر بالخطابة والبلاغة وجميل الكلام•• إنما في السياسة وتطور الزمن والأحداث والتعامل مع الوقائع والتفاعل معها، فإن التقيد بالعنصر الثاني من نفس القاعدة، يعني الجمود والشلل، وهو حالنا اليوم• من السخافة أن ننتظر أو نتوقع من الولاياتالمتحدة أن تنتهج سياسة معادية لإسرائيل، بل حتى لا نطلب منها ذلك ولا نسعى إليه، إنما أيضا من السفاهة والبلادة أن ننتظر منها العطف أو التفهم لأن قضايانا المعروضة عليها شرعية وعادلة•• ذلك أن العلاقات بين الدول تحكمها دوما المصالح، وليس المباديء أو الأخلاق أو العواطف وهو الرد الذي واجه به كيسنجر عددا من وزراء الخارجية العرب بعد حرب 73 من القرن الماضي• وأعتقد أن العرب في هذه الحالة يمتلكون الكثير من الأوراق التي تندرج ضمن خانة ما تسميه واشنطن المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة• وبالإمكان، مع توفر بعض الإرادة، استخدام هذه الأوراق للمقايضة على بعض المكاسب، أو للمساهمة في إحداث نوع من التوازن في العلاقات الأمريكية معهم ومع إسرائيل•• أكيد، المسألة ليست بسيطة، غير أن الحجم الضخم بل غير المحدود، لهذه المصالح الإقتصادية والتجارية والعسكرية في المنطقة العربية، وتحديدا مشرقا وخليجيا قد تدفع واشنطن إلى نوع من التعقل• لست في تقييم أو التحدث عن حصيلة لرئيس بعث نوعا من الأمل ليس فقط لدى العرب والمسلمين•• إنما لدى كل العالم الذي زاح عنه كابوس بوش وفريقه المتطرف الذي وضع كل العالم على شفا حافة الهاوية•• إنما أود القول أن دولة بحجم الولاياتالمتحدة لا تتغير استراتيجيتها التي تشارك في تحديدها مؤسسات ومراكز وقوى نفوذ ومصالح بمجرد مزاج رئيس أو رغبته••إنما تخضع لتقييم يستهدف دوما الحفاظ وتعميق هذه المصالح، وأحيانا بإخضاعها لعمليات تجميل ليس إلا••• حين أعيد هذه البديهية البسيطة، فإن ذلك لا يعني إنكار أن للرئيس أوباما نظرة أخرى لشؤون العالم تخالف نظرة سلفه بوش•• وهو إن كان ليس داعية حرب مثل سلفه، فإنه أيضا ليس مقوضا لاستراتيجية سابقه كلية•• فهو يسعى أن تظل الولاياتالمتحدة قائدة للعالم، ولكن بقفاز من الحرير•! ولا نشك في كونه يحترم العالم الإسلامي كما أعلن مرارا•• لكن الأمر يظل مجرد كلمات، فالبؤر الثلاثة التي تجسد قمة العدوان على هذا العالم لا تزال كما هي في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان الوباء الذي يهدد اليوم بتفتيت الباكستان• لحد الساعة، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إن اكتفينا فقط بهذه المأساة فإن إدارة أوباما سوقت لنا كلمات وأبقت على الأمر الواقع، بل يبدو أنها فشلت أمامه••!! إنها مجرد تحريك قدم•• لكن بخطوتين إلى الوراء إن افترضنا أنها تقدمت بخطوة إلى الأمام!!•