رُوحْ عْلينا.. رُوحْ!! لدي قناعة أن شياطين الجن لا تصفد في رمضان إلا لتفسح المجال لشياطين الإنس لإثبات تفوقها ونبوغها في الإجرام وتنظيرها للخراب والدمار. قبل أن يهل الشهر الكريم وفي منتصفه، خرج علينا المنجم البرجوازي نور الدين بوكروح معلنا ثبوت رؤية هلال شبح المجهول المحدق بالبلاد ومنذرا أن الجزائر أقرب إلى الفناء - في راسو نشا الله- منها إلى الحلول!! بوكروح الذي يقدم نفسه كفاعل في الحياة الفكرية والسياسية منذ 1970، عاد إلى الظهور عبر مساهماته في بعض الجرائد المعربة والمفرنسة من باب »اشتم واشتم حتى يلتفت إليك النظام«. هذا الساخط على كل الأمور والذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب يدعو إلى إعادة ترتيب سور القرآن وعيْنه على انقلاب دامي يعصف بالبيت الجزائري ويعيد »ترتيبه« بما يتوافق مع مصالحه الذاتية. وحين يتحدث عن العودة إلى الماضي وإلى الإسلام »الأول«، فهل يقصد الرجوع 14 قرنا إلى الوراء أم التوقف عند عام 1995 حين كانت حرمه تتدرب على لقب »السيدة الأولى«؟! بوكروح الذي لا يرى جدوى من الحديث في القضايا الاقتصادية في »ظل وجود أشخاص مثل سعداني وسلال وحداد« - وهو ما صرح به مؤخرا حين نزل ضيفا على إحدى الجرائد، لم يخبرنا ماذا فعل لتخليص الاقتصاد الوطني من التبعية للبترول على مدى ست سنوات تقلد خلالها حقائب اقتصادية سيادية، أم أنه كان مشغولا وقتها بأكل الغلة واليوم تفرغ لسب الملة؟!. لكن بوكروح لم ينس أنه كان ذات حكومة وزير المساهمة وتنسيق الإصلاحات، وهو ما يفسر هوسه بالإصلاحات حتى صار لا يدري على أي قدم يرقص، فتارة ينادي بإصلاح الشعب وأخرى بإصلاح النظام وثالثة بإصلاح الإسلام، ونسي أن يبدأ بإصلاح نفسه وتصحيح مساره! يعتبر بوكروح موقف الجزائر من الصحراء الغربية غير مفهوم وأن القضية كلفت بلادنا الكثير من الوقت والجهد دون أي طائل يذكر! مما يعني أن الرجل لا يريد فقط إخراجنا من الملة وإنما من محيطنا الإقليمي والعروبي كذلك وينتقد حتى عقيدة الجزائر الثابتة في دعم قضايا التحرر العادلة! يتحجج داعية الخراب بأن النظام - الذي كان جزءا منه ولطالما سار في ركبه- هو السبب الرئيسي في اعتزاله العمل السياسي، نظرا إلى التضييق الذي تعرفه الساحة وانعدام حرية النشاط والحركة!! لو لم يكن فلان يعاني من فصام حاد لما استطاع إنكار المكاسب التي حققتها الجزائر فيما يخص الحريات العامة والتعددية، فنحن في عالم مفتوح تشهد فيه حرية التعبير وصناعة الإعلام وحركة الأحزاب ازدهارا كبيرا، والدولة لا تفرض أي شكل من أشكال الحظر على استعمال الانترنت ومواقع التواصل، بل إن هذه الحرية »الزائدة« تضطرنا أحيانا كثيرة إلى سماع الحمقى! ولم يسلم حتى الشعب من نوباته الهجومية، فتجده مرة يطالب بحراك مجتمعي مزلزل ومرة يعتبر الشعب جمادا لا رجاء ينتظر منه وأحيانا يصوره بعنصرية شديدة على أنه مجموعات بدائية لا تفقه في اللعبة السياسية وكان يحلو له تسميته »الغاشي« الذي لا يرقى إلى مرتبة الشعوب لذا كان يخطط إلى رفع الدعم عنه وضربه في خبزته حين كان وزير التجارة. واهتدى -في فوروم ليبرتي- أن الجزائريين يتواءمون بشكل تام مع نظامهم وأننا شعب مفصوم عن الواقع والعقل، وأن جحا )كناية عن دولة الوهم ولا وهم إلا هو( الذي يحكمنا يدرك جيدا طبيعتنا المستسلمة ويعتمد نية الترقيع للبقاء لا نية رسم مستقبل جديد للجزائر. وعلى ذكر جحا -الذي يحب صاحبنا الاستدلال به- يحكى أنه التقى رجلا يبدو عليه الحمق والغفلة، فسأله: لقد سمعت يا جحا أن عندك من الأجوبة المسكتة الكثير، فإذا شتمني احد الناس وقال لي يا أحمق، فماذا أقول له؟ أجابه جحا بعد تأمل: قل له صدقت!! هذا »العلاّمة« الذي )لا يقول حمقا( والذي وضع عصارة فكره في محاولة إيجاد مخرج للجزائر من مصيرها »الخطير والمذل« - حسب وصفه-، خلص إلى أن الحل يكمن في تغيير النظام والشعب معا وربما التاريخ والجغرافيا أيضا، لأنه أساسا لا يعترف بوجود الدولة! ولا عجب أن يخرج بهذه النتيجة ما دامت رؤيته للوضع قاصرة وسطحية وساذجة، فالبلاد - حسبه- راكبة على شخص الرئيس وإنه لا خلاص سوى ب »تصور جديد لشخص/ رئيس جديد«. هذا، المسيح )الدجال( ومشروع )الرئيس المثالي( سابقا، يريد التنظير لمستقبل الجزائر وهو لم يفلح حتى في الاحتفاظ بحزبه الصغير، فراح يتطاول على الحزب الأول، معربا عن »اشمئزازه« من مؤتمر جبهة التحرير العاشر واصفا إياه بما لا يليق، ويرى مشاركة الوزير الأول كمناضل عن الحزب »تكشف عن رغبة في تدمير الكيان الجزائري«! ويستطرد قائلا أن المؤتمر لم يكن تجمعا سياسيا وإنما حيلة ماكرة من حيل جحا!!. ولم يتوقف مولود برج الغراب عند هذا الحد من الهراء، بل أخذ يتوعد الجزائريين بفأل الشؤم ويتنبأ بغرق الجزائر في بحر دم جديد قبل حلول 2020 كما حدد حجم الخسائر والكيفية والعدد المطلوب من الدواعش لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي! في معرض استشرافه الأسود لمستقبل البلاد، يعتبر بوكروح الوضع مهيأ للانفجار ولا يلزم- في اعتقاده طبعا- أكثر من 10 آلاف فرد لزعزعة استقرار الجزائر وإحلال الفوضى (الخلاقة)، وقدّر عدد الهالكين بمليوني جزائري! فهل هي رسالة تهديد جدية إلى الجزائر أم تحريض علني على العصيان المدني والحرب الأهلية؟ ألا تعرّض مثل هذه التصريحات الشاذة صاحبها للمساءلة القانونية؟ ألا تدخل في نطاق الجرائم التي تهدد أمن وسيادة البلد؟ لماذا هذا السكوت على فتوى مولانا الإصلاحي بسفك دم مليوني جزائري، إذا لم تستقم الأوضاع، ويقصد بذلك رحيل بوتفليقة. وفي هذا الصدد يجيبه سعداني: »لن تستطيع تنحية الرئيس ولو خرج في صفوفك الآلاف فحزب الرئيس قادر على حشد الملايين«. من حق بوكروح إبداء رأيه بكل حرية ووصف العهدة الرابعة بما يشاء في مقالاته، لكن على الجانب الآخر كان عليه احترام خيار الشعب الجزائري الذي منح غالبية أصواته لبوتفليقة ليس مرة أو اثنتين وإنما خمس مرات، إن أضفنا إلى العهدات الرئاسية الاستفتاء الشعبي على الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية. هذا الميثاق - بما له وما عليه- أوقف سيل الدماء وبفضله -وفضل إرادة الشعب ويقظة الجيش الوطني الشعبي- ننام اليوم هانئين في بيوتنا لا تطاردنا كوابيس الحواجز المزيفة والرؤوس المقطوعة والجثث المتفحمة. إن سعداني - الذي لا يعجبك- بعد أن نجح المؤتمر العاشر ورسا بجبهة التحرير الوطني إلى بر الأمان، عقد العزم على إنشاء جبهة وطنية جامعة، توحد الداخل وتحصنه ضد التهديدات الخارجية وتسد الثغرات التي تحاول -أنت ومن سار على دربك- عبثا فتحها. الجزائر يا سي بوك- روح ليست حزبا ننشئه ليكون مطيتنا إلى كرسي الرئاسة وما نلبث أن نركنه على الرف بمجرد الحصول على حقيبة وزارية، ونتخلى عنه حين يواجه بعض الاضطرابات، ثم بعد انطفاء أضواء الشهرة نحاول استعادته! إن كانت أصول الديمقراطية لم تمنعك من التفوه بالحمق والادعاء أن الجزائر ليس لها أي مستقبل والنتيجة المنتظرة هي النهاية، فما كان يجب أن يمنعك هو الأخلاق والحياء وعزة النفس، أو على الأقل جزائريتك، إن كانت لها بقايا عندك. لو كان المفكر مالك بن نبي- رحمه الله- حاضرا بيننا لأخبرك أن سيدنا نوح لم يندب مصير قومه، وإنما صنع الفلك العظيم للنجاة من الطوفان. ولو كنت قارئا جيدا للتاريخ، لعلمت أن الحياة تنتصر للجزائر لأنها تستحق الحياة. كان أحرى بالرئيس السابق لحزب التجديد الجزائري الاستيقاظ من سباته وتجديد فكره، فكونه شارك في الإطاحة بزروال عن طريق فتح النار على صديقه ومستشاره بتشين زين له إعادة الكرّة، لكن الماضي لا يعود وسياسة »أعطيني نرّيح ترانكيل، ما تعطينيش نحرق« أثبتت فشلها، لأن الجزائر نار تحرق من يريد بها شرا. الجزائر يا سي »بوك- روح كيما تجي كيما تروح« نالت حماماتها من الدم ثلاث مرات؛ في حربها التحريرية وحين أعلنت ربيعها ثم حين تصدت منفردة لإرهاب وحشي وسط صمت دولي مخز. والآن بعد أن فقدتم الأمل في أن تصدّروا لها الربيع العبري الذي أتى على الأخضر واليابس في دول الجوار، تريدون إعادة تدوير آلة الشقاق الداخلي والموت للجميع؟! هذا الذي فكر في تبديل/ تدمير الشعب والنظام وإقامة هيكل دولة على الأنقاض، ألم يخطر بباله أن يجمع حقائبه وكرته السحرية ونظاراته السوداء و»يروح علينا« ويدخر أفكاره التنويرية لشعوب أكثر رقيا منا وتليق بمستواه الطوباوي. وكما قال الإعلامي جمال بن طالب "يا بوك.. روح.. روح.. وروحوا علينا"...(اسحبوا ساعاتكم من وقت هذا البلد وانصرفوا). محمد جميعي رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني بالمجلس الشعبي الوطني الأستاذة: إيناس نجلاوي عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني