تأملات.. يكتبها : محمد بوعزارة مدينة الجزائر مثلها باقي مدن الوطن تنام مبكرا لا تعرف طعم الليل بأضوائه المتلألئة و لا تشارك نجومه ببريقها الجميل و لا تعيش السهرات العائلية و لا الثقافية التي تعرفها جل عواصم و مدن العالم.. في العالم هناك مدن لا تنام فعلا .. و قد زرت بعضها ووقفت بنفسي على ليلها الطويل الذي لا تنطفئ أضواؤه بل على ليلها الذي يشيه النهار عندنا و لكن باختلاف النشاط . .. موقع بادو صنف عشر مدن في العالم واصفا إياها بالمدن التي لا تنام ، و جاءت القاهرة في الترتيب الأول و بيروت في الترتيب الثالث و احتلت ست مدن اسبانية من بينها العاصمة مدريد صدارة الترتيب ضمن المدن العشرة التي لا تنام . و من هذه المدن التي لا تنام وجدتني قد زرت ثلاثة منها هي القاهرة و بيروت و مدريد . و لكن يبدو أن هذا الترتيب أغفل مكةالمكرمة التي تسهر مع الله و مع أجواء روحانية تجعل المؤمن لا ينام على امتداد العام و مع ذلك فهو لا يعرف الإرهاق و لا التعب ، فقد كنت ضيفها و ضيف الرحمن في 2010 عندما ذهبت إلى الحج رفقة الوالدة رحمها الله و الزوجة ووالدة أبي أطال الله عمرها و حماتي . مكة و خصوصا محيط الكعبة المشرفة لا يعرف النوم بدء من صلاة المغرب و العشاء إلى الطواف إلى صلوات التهجد و التعبد و إلى صلوات التراويح في رمضان و تلاوة القرآن الكريم بنفحات إيمانية لا تبرح المكان في كل زمان. لكن مدينة الجزائر بل و مختلف المدن الأخرى في الوطن تودع النوم نهائيا عندما يحل عليها شهر رمضان المبارك من كل عام، فتصير الجزائر كلها في هذا الشهر غير الجزائر النائمة ليلا قبل ذلك و بعد ذلك عندما ينقضي رمضان . فمع النصف ساعة الأولى التي تعقب الإفطار من كل يوم طيلة شهر رمضان يتبدل كل شيء في المدينة ..هناك الذاهبون للمساجد نساء و رجالا لأداء صلاة التراويح في أجواء مفعمة بالإيمان و قراءة القران الكريم ،و هناك الساهرون ليلا في أجواء عائلية مفعمة بالمحبة و هناك الساهرون في المقاهي إلى وقت قليل قد يسبق آذان الفجر بقليل و هناك العابرون بسياراتهم في غدو و رواح . تتبدل المدينة و تتغير طباع الناس في هذا الشهر 180 درجة .. فالأجنبي الذي يكون قد زار الجزائر مرارا في باقي الشهور يحكم على الجزائر بأنها المدينة النائمة ليلا ، و لكنه لا يفهم سر الانقلاب الذي يحدث في هذه المدينة و في باقي مدن الجزائر إن زارها في هذا الشهر الفضيل ،فقد يحدث له ارتباك في مخه بعد أن تتحول المدينة أمامه إلى مدينة لا تنام طيلة شهر و ليس مدينة ساهرة فقط مع نهايات الأسبوع كما اعتاد عليه في معظم العواصم و المدن الكبرى في العالم . بعضهم قد يكون عصبيا في كامل النهار خلال شهر رمضان بسبب دوخة القهوة و الشاي و التدخين، و لكنك قد تجده بعد انقضاء رمضان يتأسف على انقضاء ليالي هذا الشهر بسهراتها الجميلة التي لا تنقطع و ليلها الذي هو أجمل ليالي الجزائر على امتداد العم كله . فكم نندم يا رمضان و نحن نودعك، نندم على لياليك الجميلة التي لا تعرف فيها الجزائر معنى النوم. ينشر بالتوازي يوم الاثنين في صحيفتي الحوار و صوت الأحرار.