احتضنت ولاية بسكرة اجتماع الثلاثية، في سابقة هي الأولى من نوعها، وكانت للوزير الأول زيارة عمل وتفقد، أشرف خلالها على تفقد وتدشين بعض المشاريع، ولم يفوت، بهذه المناسبة، التعبير عن سعادته لوجوده بهذه المدينة " عروس الزيبان والملتقى الحقيقي للتنوع الثقافي الوطني ولجزائريتنا". إن هذه المناسبة الهامة، سيادة الوالي المحترم، لا ينبغي أن تمر مرور الكرام ولا أن تكون حدثا عابرا، لا أهمية له في حياة الولاية أو أن ما تتركه من أثر لا يتجاوز تلك الصورة التذكارية التي تؤرخ لهذا الحدث الهام وما تميز به من حسن الاستقبال وكرم الضيافة وما جاد به أهل بسكرة الأفاضل وسلطاتها المحلية من موائد عامرة بالشخشوخة البسكرية اللذيذة ودقلة نور الشهية. ولعل ما شجعني أيضا على مخاطبتكم هو ما اطلعت عليه في رسالة موجهة إلى الوزير الأول، حملت عدة مطالب هامة، وهي بالإضافة إلى مشروعيتها، تعبر عن وعي أصحابها وحرصهم على ترقية ولايتهم، ولعله لا اختلاف على أن بسكرة التي تتوفر على جامعة رائدة، هي بحاجة إلى كلية للطب وإلى مدرسة عليا لتكوين الأساتذة، كما أن كثافتها السكانية تتطلب إنجاز مستشفي ثاني من نوع 240 سرير. ومن المطالب أيضا تحويل المركب الإسلامي بسيدي عقبة إلى كلية للعلوم الاسلامية، بالإضافة إلى إنجاز مركب جهوي للحوم الحمراء بأولاد جلال التي تتوفر على أشهر سلالة غنم بالجزائر وإعلان التمور منتوجا استراتيجيا، دون نسيان مشكلة السكن، حيث يراهن المواطنون على برنامج إضافي للولاية. هذه المطالب، على أهميتها، وغيرها كثير، تترجم التوجيهات الجديدة للسلطات العمومية، المتمثلة في اعتماد مقاربة في التنمية تعتمد على تثمين الإمكانيات المحلية الموجودة، من خلال تحسين آليات الدعم الفلاحي ودعم وتيرة الاستثمار المنتج. ألا ينسحب كل ذلك على ولاية بسكرة، التي هي مدعوة اليوم، تحت سلطتكم المباشرة، لإثبات أحقيتها والبرهنة على جدارتها في احتلال المكانة اللائقة بها والمتجاوبة مع طموحات ساكنتها. إن ولاية بسكرة، يا سيادة الوالي، رغم ما حققته من تنمية مشهودة، ليست بالصورة التي تستحقها، خاصة من حيث الإمكانات التي تتوفر عليها والتي كان من الممكن أن تجعل منها ولاية نموذجية، لو وجدت العقول المدبرة، التي تملك القدرة على التفكير والإبداع واستثمار الطاقات المتاحة، بشرية ومادية. تلاحظون، يا سيادة الوالي، أن بسكرة هي اليوم ولاية فلاحية رائدة، حيث أن إنتاجها من الخضر يغطي نسبة معتبرة من الطلب الوطني، وهذا ما أقر به الوزير الأول، بقوله:" إن بسكرة تعتبر مثالا رائعا لقدرتنا على رفع التحدي: زراعة متطورة بشكل أمثل وصناعة ناشئة، حيث لا يمكن أن تصبح بلادنا بلدا مصنعا إن لم يكن بلدا زراعيا في المقام الأول". إن الملاحظ أن هذا الإنتاج الوفير من الخضراوات هو منتوج جهة محدودة، تكاد تكون محصورة في بلدية لغروس، وما بالنا لو استثمرت بقية الجهات من الولاية لتحقيق ما تصبو إليه بلادنا من الأمن الغذائي، ليس فقط في الخضر، بل أيضا في الفواكه واللحوم. ولاية بسكرة معروفة بما تتوفر عليه من ثروة النخيل، حيث تنتج أكثر من 450 ألف طن من التمور، لكنها بالمقابل لا تصدر إلا ما يقارب 1 .......من ذلك الانتاج، بسبب عدة مشكلات، منها نقص المياه، النقل ووسائل الحفظ والتخزين، التي لا تتناسب مع المقاييس الدولية وكذا افتقار الولاية إلى وحدات مختصة في استغلال مستخلصات ومشتقات التمور والنخيل. أليس من مسؤوليات الدولة إيجاد الحلول لهذه المشكلات، بما يضمن تثمين هذه الثروة الدائمة، التي تشكل موردا اقتصاديا حيويا، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها بلادنا. إن بسكرة، ليست فقط ولاية التمور، إنها أيضا ولاية سياحية بامتياز، لما تتوفر عليه من إمكانات هائلة، طبيعية وتاريخية وثقافية وتراثية، جديرة بأن تحظى بالاهتمام. إن هناك الكثير من الكنوز السياحية والدفائن التاريخية التي تزخر بها بسكرة، هناك منطقة مشونش، بمناظرها الخلابة و" غوفي" التي تأسر الألباب بشرفاتها وواديها وجبالها الشامخة، إلى درجة أن السلطات الاستعمارية شيدت فندقا في قمة الجبل، لأهمية السياحة في هذه المنطقة، كما لا تخفى مناظر القنطرة الجميلة، بمنعرجاتها العجيبة وواحاتها الساحرة. إن هناك عدة مواقع سياحية موثقة ومعروفة، فلماذا السياحة الثقافية والدينية لا تستثمر في هذه الولاية، وفي هذا المجال أتذكر أن القيم على مسجد سيدي عقبة حدثني عن 350 صحابي استشهدوا خلال فتوحات عقبة بن نافع، ويمكن أن يكون هذا الموقع مزارا لمئات الأشخاص من المملكة السعودية وما جاورها، هذا الحج السياحي يمكن أن يكون مسارا لرحلة سياحية ممتعة في واحات النخيل على امتداد سيدي عقبة وطولقة ومشونش، وما تتميز به المنطقة من تراث وعادات وواحات النخيل وفضاءات للسياحة العلاجية كالحمامات المعدنية والمياه الكبريتية والرمال الساخنة. لقد كانت بسكرة في سنوات سابقة قبلة السياح، وكان عيد التمور مناسبة مواتية لعرض الأجود منها وتقديم ما تتوفر عليه المدينة وضواحيها من فلكلور وصناعات تقليدية. كانت بسكرة تعيش أياما جميلة في أجواء البهجة وكان السياح يأتون من كل الجهات في العالم، فأين هم اليوم وأين هو ذلك العيد، أين هو سباق الخيل الذي كانت بسكرة تزدهي به كل عام وأين هي تلك الفنادق التي كانت تعمر بها المدينة ؟ وكما تعرفون، سيادة الوالي، فإن بسكرة هي كذلك أرض التاريخ والعلم والجهاد والأمجاد، كل ذلك يمنحها خصوصية مميزة، هناك مواقع تاريخية كثيرة، من تهودة وبئر الكاهنة، إلى ضريح ومسجد عقبة بن نافع القديم، إلى سيدي خالد التي تحتوي على آثار قديمة وبها مقام ومسجد خالد بن سنان، إلى مسجد سيدي سعادة الريحاني بليشانة، هناك ثورة الزعاطشة وآثارها المدفونة تحت الأرض وهناك ثورة العامري، كل هذه المعالم وغيرها كثير بمختلف جهات الولاية، يمكن أن تكون قبلة للسياحة الثقافية. إنكم، يا سيادة الوالي، تباشرون مهمتكم الجديدة بهذه الولاية، التي تنتظر منكم تحريك السواكن ودفع عجلة التنمية إلى الأمام، لعلكم بذلك تتركون أثرا طيبا، من خلال اعتراف ساكنتها بما تحققونه من إنجازات وما تساهمون به في إطار مجهود الدولة، لإعطاء صورة جديدة لهذه الولاية، ترقى إلى طموح أهل بسكرة الكرام لقد أنجبت بسكرة عبر العصور أدباء وشعراء وعلماء أجلاء، وأجدني عاجزا عن ذكرهم في هذا المقام، كما لا يليق أن أذكر البعض منهم دون البعض الآخر، كما أن هذه المدينة استقطبت اهتمام كل الزوار الذين حلوا بها وعاشوا تحت سمائها، منهم الشعراء، الفنانون، الأدباء، والمؤرخون، حيث وجد هؤلاء في بسكرة أحلامهم، إلهامهم وذكرياتهم، فكتب عنها المؤرخ الكبير بن خلدون والأديب الفرنسي أندريه جيد وغيرهم. كل ذلك يجعل من بسكرة موطنا للإبداع وملتقى لأهل الثقافة والفن في بلادنا، أليست هي موطن الشعر والأدب والصحافة والمسرح، فما عساكم فاعلون، سيادة الوالي، لتكون بسكرة إحدى منارات الثقافة في بلادنا. إن ولاية بسكرة هي بوابة الصحراء أو همزة الوصل بين الشمال والجنوب، هي الأرض الخصبة التي حباها الله بشجرة النخيل المباركة وبجواهر ثمينة من الطبيعة الخلابة، لكنها لا تتوفر على قاعدة صناعية قوية، رغم المؤشرات الواعدة، التي توحي بانتعاش هذا القطاع. إن هذه الإطلالة السريعة على ولاية بسكرة ليست استطلاعا ولا هي جولة في أرجاء الولاية، لذلك أعتذر مسبقا عما قد يبدو تقصيرا مني في إبراز أهمية الجهات والمدن والقرى ومعالم الولاية وأعلامها. إنكم، يا سيادة الوالي، تباشرون مهمتكم الجديدة بهذه الولاية، التي تنتظر منكم تحريك السواكن ودفع عجلة التنمية إلى الأمام، لعلكم بذلك تتركون أثرا طيبا، من خلال اعتراف ساكنتها بما تحققونه من إنجازات وما تساهمون به في إطار مجهود الدولة، لإعطاء صورة جديدة لهذه الولاية، ترقى إلى طموح أهل بسكرة الكرام.. والله المستعان. أول الكلام " أكرموا عمتكم النخلة.." [email protected]