ستتخلّى صحيفتا ال "إندبندنت" و"إندبندنت أون سانداي" البريطانيتين في آذار (مارس) المقبل عن نسختهما الورقية. ويصدر العدد الأخير من "إندبندنت أون صنداي" في 20 مارس ( آذار)، ليتبعه العدد الأخير من "إندبندنت" بعد ذلك بستة أيّام. هذا ما أعلنته شركة ESI Media المالكة لهما في بيان رسمي نُشر أوّل من أمس، موضحةً أنّها تنوي تركيز إستراتجيّتها في الفترة المقبلة على الجانب الرقمي وإطلاق 25 مشروعاً رقميّاً جديداً. وكشفت الشركة أيضاً عن نيّتها بيع صحيفة «آي» لشركة «جونستون برس» لقاء 34.8 مليون دولار أميركية، إضافة إلى رغبتها في تطوير موقع «آي 100». هذه الخطوة الضخمة ما هي إلا ترجمة ل "العاصفة" التي ضربت الجرائد المحلية البريطانية في صيف 2015، مع إنخفاض مستوى الإعلانات إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت إلى نسبة 30 في المئة في بعض الأسابيع خلال النصف الثاني من العام الماضي. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، ذكرت صحيفة «تايمز» أنّ ال «غارديان» البريطانيّة تنوي خفض نفقاتها بمعدل 20 في المئة على مدى ثلاث سنوات بعد انخفاض ما نسبته 25 في المئة في عائدات الإعلانات من النسخة الورقية، ما قد يضطرّها إلى صرف نحو مئة موظّف. وفي غضون ذلك، توقّعت «ديلي تلغراف» أن تُعلن ال "غارديان" عن قرارها رسمياً الشهر المقبل. وفي انتظار انعكاس ذلك على الأرض، يبدو أنّ الأزمة تشمل ميادين إعلامية أخرى. في تموز (يوليو) الماضي، قالت «هيئة الاذاعة البريطانية» إنّها ستلغي أكثر من ألف وظيفة لأنّها تتوقع خفضاً بقيمة 234 مليون دولار أميركي في رسوم المشاهدة في العام المالي المقبل، بعد عزوف المشاهدين عن أجهزة التلفزيون وتوجههم إلى الإنترنت لمتابعة البرامج. حالما أُعلن النبأ يوم الجمعة الماضي، سارعت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى نشر مقال لدان بيليفسكي اعتبر فيه أنّ ما يحصل «ضربة للمشهد الإعلامي البريطاني المفعم بالحيوية والمنافسة، حيث تمكنّت ال "إندبندنت" من فرض نفسها كقوّة تحريرية ملؤها الجرأة رغم الخسائر». خسائر يمكن بحسب «نيويورك تايمز» وصفها بال «فادحة»؛ ففي نهاية الثمانينيات بلغت مبيعات ال "إندبندنت" اليومية 400 ألف نسخة، في مقال 40 ألف فقط اليوم. علماً بأنّ الرقم وصل في كانون الأوّل (ديسمبر) 2015 إلى 28 ألف نسخة كحد أقصى! رغم تأزّم الوضع وصعوبة مواجهته، حاول القائمون على الصحيفة البريطانية أن يكون الإعلان عن توقّف النسخة الورقية «إيجابياً»: «نحن أوّل صحيفة في البلاد تنتقل إلى مستقبل رقمي بحت». في المقابل، لفت مالك ال «إندبندنت»، رجل الأعمال الروسي البريطاني إيفجيني ليبيديف، في مذكّرة داخلية إلى أنّ النسخة الورقية «ما عادت قابلة للحياة اقتصادياً»، مضيفاً أنّه يريد تحويل المؤسسة إلى منتج رقمي عالمي: «كنّا أمام خيارين: إدارة التراجع المستمر للورق، أو تأمين مستقبل مستدام ومربح للمؤسسة الرقمية التي بنيناها». أجمع الخبراء خلال اليومين الماضيين على أن ما يحصل هو بداية تغيير جذري سيطال معظم الصحف البريطانية المرموقة، وقد ينتقل إلى مؤسسات إعلامية أخرى، وإلى خارج بريطانيا أيضاً. الصحافي في ال "غارديان" بيتر بريستون مثلاً وضع هذا التطوّر في خانة «إيجاد حلول جديدة في الظلام»، معتبراً أنّ ال «إندبندنت» هي أولى «ضحايا المستقبل الرقمي المربك». عنوان آخر في الصحيفة نفسها قال إنّ ال "إندبندنت" هي صحيفة "قتلتها الإنترنت". نقطة شدد عليها بدوره نائب رئيس تحرير اليوميات في "ديلي مايل" ريتشارد إيدن على تويتر: «حكمة اليوم: إذا أردتم للصحف أن تستمر في النشر، إشتروا نسخة». من جهته، رأى مدير تحرير الأخبار في ال «صنداي ميرور» آرون شارب أنّ الجمعة الماضي «يوم سيّء جداً بالنسبة للصحف المطبوعة في هذا البلد». وبما أنّ مؤسسات صحافية مطبوعة أخرى سبقت ال "إندبندنت" إلى هذه الخطوة مثل مجلة «نيوزويك» الأسبوعية الأميركية التي أوقفت نسختها الورقية في سنة 2012، قبل أن تستأنف الصدور بعد ذلك بعامين، يبقى السؤال مطروحاً حول إذا كنّا سنودّع الصحيفة البريطانية الشهيرة نهائياً بشكلها المطبوع. التحديات الرقمية ليست سهلة، خصوصاً لجهة الإعلانات، في ظل توجيه أصابع الإتهام نحو شركتي غوغل وفايسبوك في ما يخص الاستحواذ على الإعلانات الرقمية بوتيرة سريعة جداً، على حد قول المدير التنفيذي لشركة "غارديان ميديا غروب" دايفد بيمسيل أخيراً، والقائمين على شركة Trinity Mirror الناشرة لصحيفة "ديلي ميرور".