أهم ما ميز سنة 2009 على المستوى الاقتصادي هي الإجراءات الاقتصادية الهامة التي تضمنها قانون المالية التكميلي والتي جعلت الجزائر تستعيد »رشدها« الاقتصادي في انتظار نتائج ذلك ميدانيا ابتداء من 2010، وإذا كانت الصادرات قد انخفضت بحوالي النصف خلال الإحدى عشر شهر الأولى، أي من 72 مليار إلى 39 مليار دولار، فإن ذلك لم يؤثر على المشاريع الكبرى التي تواصلت بشكل عادي وهو ما يؤكد المرحلة غير المسبوقة ماليا التي تعيشها الجزائر. لا أحد ينكر أن الجزائر اتخذت إجراءات هامة لصالح المؤسسات الوطنية ضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2009، وهي إجراءات جعلت لويزة حنون التي عُرفت بانتقاداتها لسياسات الحكومة في هذا المجال، تصفها ب»تدابير شجاعة زادت حزبها قناعة بإمكانية تحقيق مكاسب اجتماعية كبيرة خلال المراحل القادمة«. * تدابير شُجاعة ودعم مطلق للإنتاج الوطني ومن بين هذه الإجراءات إدخال ضريبة جديدة على عمليات الاستيراد سواء تعلق الأمر بالمواد أو الخدمات وفرض »رقم تعريف الضرائب« يُسلم من قبل الإدارة المعنية للقيام بعملية التجارة الخارجية إضافة إلى إجبار المتعاملين الاقتصاديين على دفع مستحقات الواردات من خلال الاعتماد المستندي وهو ما يضمن رقابة أكثر لعمليات التجارة الخارجية، إضافة إلى إقرار مبدأ التكافؤ في عمليات التصدير، ما يعني أن الإجراءات التي يخضع لها المصدرين الجزائريين في الدول الأخرى يُمكن أن يتم تنفيذها في الجزائر على أساس التكافؤ، ناهيك عن فرض ضريبة تقدر ب3 بالمئة فيما يتعلق استيراد الخدمات بهدف تقليص الاستيراد والتوجه أكثر نحو السوق الوطنية. كما تهدف الإجراءات التي تضمنها قانون المالية التكميلي إلى ضبط القانون الوطني المنظم للاستثمار الأجنبي وتقوية دور الدولة في مراقبة تحويل الأرباح إلى الخارج وحماية توازن ميزانية المدفوعات عن طريق إلغاء قروض الاستهلاك، وهي إجراءات وصفها خبراء في الميدان بأنها هامة هدفها الحفاظ على مصالح الأمة وجاءت عكس تماما التوجهات السابقة التي سارت عليها الجزائر. إضافة إلى هذا المُعطى سجلت 2009 تطورا إيجابيا لبعض المؤشرات الاقتصادية الكبرى على غرار النمو خارج قطاع المحروقات الذي قد يتجاوز 10 بالمئة وذلك بفعل النتائج المحققة في قطاعات الفلاحة، البناء، السكن، الأشغال العمومية والخدمات، وهذا بفضل ارتفاع القروض الموجهة للاقتصاد والتي زادت بنسبة 19 بالمئة إلى غاية سبتمبر الماضي. * استمرار انجاز المشاريع الكبرى وبالرغم من حدة الأزمة العالمية مع بداية السنة إلا أن الجزائر تمكنت من الاستمرار في المشاريع الكبرى بفضل احتياطي النقد الذي يُمكنها من تغطية ثلاث سنوات من الواردات وبفضل الأموال المحفوظة في صندوق ضبط الإيرادات والتي بإمكانها امتصاص عجز الميزانيات لمدة لا تقل عن السنتين، موازاة مع ذلك انخفضت الصادرات الجزائرية بحوالي النصف خلال الإحدى عشر شهرا الأولى مقارنة بسنة 2008، أي بنسبة 45.40 بالمئة، من 72.41 إلى 39.53 مليار دولار وهو ما تسبب في تقليص فائض الميزان التجاري، ولا تزال المحروقات تُشكل أساس المبيعات الجزائرية نحو الخارج بنسبة 97.45 بالمئة هذا في وقت تراجعت فيه كذلك الصادرات خارج المحروقات ولم تتجاوز في نفس الفترة 1 مليار دولار. أما الواردات فبلغت 35.27 مليار دولار خلال الفترة المذكورة مقابل 36 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2008، أي تقلصت بنسبة 2.17 بالمئة، وهناك مجموعتان فقط سجلتا ارتفاعا تتمثل في "مواد التجهيز الصناعي" التي تحتل المرتبة الأولى ب68ر38 بالمئة من الحجم الإجمالي ب 13.64 مليار دولار و التجهيزات الفلاحية ب208 مليون دولار بزيادة 26 بالمئة، أما المجموعات الأخرى من الواردات فسجلت انخفاضا لاسيما مجموعة المواد الغذائية بنسبة 26 بالمائة. لكن بالرغم من هذه المكاسب إلا أن الحكومة تلقت انتقادات غير مسبوقة من قبل المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي »كناس« الذي وصف النمو المحقق الذي قد يُعادل 3.8 بالمئة بصفة عامة و10 بالمئة خارج قطاع المحروقات ب»الهش« ورافع لصالح توفير مناصب الشغل الدائمة وليس المؤقتة، وربط الزيادة في الأجور بالنمو والإنتاجية مستقبلا، كما نتقد بطريقة غير مباشرة وزير الصناعة وترقية الاستثمارات بالتأكيد على أن الإنتاج الصناعي الحالي لا يزال دون التطلعات التي صرح بها مسئولو القطاع. * نحو تجديد العقد الوطني الاقتصادي ومن بين الإجراءات الهامة التي تمت خلال 2009، تغليب نسبة الحصة الوطنية في أي استثمار أجنبي، اللجوء إلى السوق المالية المحلية لتمويل الاستثمارات، وجوب فتح رأسمال الشركات المستوردة للمقيمين الوطنيين بنسبة 30 بالمئة على الأقل، إلغاء قروض الاستهلاك ما عدا القرض العقاري، تطهير قوائم السجل التجاري، رفع قيمة ضمان الاستثمارات من 50 مليون إلى 250 مليون دج، إنشاء صناديق جهوية للاستثمار قصد تسهيل تمويل المؤسسات المنتجة ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها أساس الإنتاج مستقبلا. كما تمكنت الحكومة من أخذ موافقة الاتحاد العام لعمال الجزائريين ومنظمات أرباب العمل لتجديد العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي وهو ما تم خلال لقاء الثلاثية المنعقد بداية شهر ديسمبر الجاري، الذي شهد كذلك الاتفاق على تجديد الاتفاقيات الجماعية واتفاقية الإطار في القطاع الاقتصادي العمومي والقطاع الخاص التي لم تُجدد منذ سنة 2006 بالرغم من التطورات التي شهدتها الفترة المذكورة. ويتوقع العديد من الخبراء أن تتجسد نتائج الإصلاحات الاقتصادية التي شهدتها الجزائر خلال 2009 والتي جاء بها قانون المالية التكميلي، خلال 2010، عبر تحقيق نمو قدره 4 بالمئة بشكل عام و5.5 بالمئة خارج قطاع المحروقات، على أن يكون نموا حقيقيا مع تسجيل تراجع هام بالنسبة للواردات.