عرفت الجزائر على غرار باقي دول العالم انتشارا كبيرا لفيروس »أش 1 أن 1«، هذا الوباء الذي ظهر لأول مرة في المكسيك في ربيع هذه السنة، أرقام مخيفة تنذر بخطر وشيك بات يهدد حياة البشرية بأكملها خاصة وأن المنظمة العالمية للصحة أحصت ما يقارب 12 ألف وفاة جراء فيروس أنفلونزا الخنازير ب 200 دولة عبر العالم، الجزائر بدورها لم تكن في مأمن من خطر الفيروس، حيث تم تسجيل ما يقارب 700 إصابة مؤكدة و44 حالة وفاة على الأقل، الأمر الذي خلق هلعا كبيرا في وسط السكان الذين أصبحوا يتخوفون من شبح الأنفلونزا ومن كل ما قد يمت له بصلة. منذ المرحلة الأولى التي تلت إعلان المنظمة العالمية للصحة عن ظهور فيروس »أش 1 أن 1« في شهر أفريل من عام 2009 سارعت الجزائر إلى اتخاذ كافة الاحتياطات والإجراءات للتصدي إلى هذا الوباء الذي تحول فيما بعد إلى جائحة اخترقت جل دول العالم ولم تكد تستثن أي قطر، وفي محاولة أولى عمدت الجزائر إلى مراقبة المطارات وكل النقاط الحدودية باعتبار أن الفيروس لا يمكنه أن يكون إلا مستوردا كون أن نقطة انطلاق أنفلونزا الخنازير كانت من المكسيك. ومن هذا المنطلق قررت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات تبني مخطط عملي لمواجهة الفيروس وتحسبا لأي طارئ قد يحدث، وذلك بداية من شهر جوان من العام الجاري بالنظر إلى انتشار الفيروس بسرعة فائقة أعجزت حتى الخبراء في ميدان الصحة من التحكم في هذا الوباء، وسرعان ما لجأت الجزائر إلى تنصيب كاميرات حرارية لاكتشاف أولى الحالات لكن دون جدوى فقد تميزت فترة الصيف بإقبال كبير للمغتربين الذين كانوا يأتون من كل حدب وصوب حاملين الفيروس. وزارة الصحة منذ ظهور الفيروس اتخذت كل الإجراءات الضرورية الكفيلة بتعزيز الإجراءات الصحية لمكافحة الفيروس وانتشاره بين السكان، وتم وضع رقم أخضر مجاني (3030) تحت تصرف السكان من أجل الحصول على أي معلومات أو توجيهات في حالة ظهور أعراض أنفلونزا الخنازير. وبعد فترة الصيف جاء فصل الخريف الذي جعل عديد الخبراء يتخوفون من تحول الفيروس خاصة وأن المخابر العالمية الأربعة انتهت من صناعة اللقاح المضاد لأنفلونزا الخنازير وما أن اقترب فصل الشتاء تضاعفت حالات الإصابة بالوباء وتم تسجيل أول وفاة بالجزائر جراء هذا الفيروس لتنتقل الجزائر إلى المرحلة السادسة من الخطر وهي أخر مرحلة من الإنذار. يعد هذا الوباء دون أي منازع من أهم الأحداث التي ميزت سنة 2009 بالنسبة للعالم والجزائر على حد سواء وما فتئ عدد الوفيات المتعلقة بفيروس أنفلونزا »أش 1 أن 1« يزيد ثقلا عبر العالم، حيث تشير آخر حصيلة للمنظمة العالمية للصحة إلى إحصاء أزيد من 12 ألف وفاة موزعين عبر 108 بلدا وإقليما في العالم، وتبقى أمريكا الشمالية المنطقة الأكثر تضررا بهذا الوباء بمجموع أزيد من 6000 وفاة، فيما يعتقد الخبراء أن هذه الإحصاءات لا تعكس الحقيقة. بدورها الجزائر سجلت حصيلة ثقيلة، حيث تم إحصاء قرابة 700 حالة مؤكدة من بين حوالي 8000 حالة محتملة من بينها 44 وفاة، في وقت تبقى فيه القائمة مفتوحة أمام كل الاحتمالات، وعليه تقرر استيراد اللقاح المضاد للفيروس والذي سيستعمل كوقاية من هذا الوباء، فيما تحتفظ الجزائر بحوالي 7 ملايين ونصف المليون علبة من التاميفلو كعلاج مضاد لفيروس أنفلونزا الخنازير، ناهيك أن شركة صيدال شرعت في صناعة هذا المضاد الحيوي تحت اسم سايفلو. وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات سعيد بركات أكد في الفترة الأخيرة أن الجزائر تتوفر حاليا على 1310000 جرعة لقاح مضاد لأنفلونزا الخنازير من أصل 20 مليون جرعة قررت الجزائر استيرادها من مخبر »جي أس كا« الكندي والتي ستستلمها على دفعات متقاطعة حتى نهاية شهر ماي 2010، مع العلم أن الجزائر مارست ضغوطات كبيرة على المخبر الكندي للحصول على هذه الكمية من اللقاحات على حد تصريحات الوزير. استيراد اللقاح وبعد جهد جهيد أثار جدلا كبيرا في وسط المواطنين الذين تخوفوا من مضاعفاته التي قد تلحق أضرارا جسيمة بصحة الإنسان، لا سيما مع استعمال مساند اللقاح الذي يعد عنصرا أساسيا في تركيبة اللقاح والذي يدعوا عديد الأطباء إلى الابتعاد عنه واجتنابه على عكس أطباء آخرين ينصحون به ويقولون أنه مستوحى من مواد طبيعية غير مضرة. وكبعد استشرافي لما بعد 2009 توقعت المنظمة العالمية للصحة أن يتم القضاء على فيروس أنفلونزا الخنازير قبل عام 2011، وكانت المديرة العامة للمنظمة »مارغريت تشان« قد أكدت أنه ينبغى أن نواصل توخي الحذر ونراقب تطور العدوى في فترة الأشهر الستة الى الاثنى عشر شهرا المقبلة وأنه لم يحن الوقت كي نقول أننا تجاوزنا ذروة عدوى أنفلونزا »أش 1 أن 1« على نطاق عالمى فالشتاء لا يزال طويلا. بين هذا المد والجزر وبالنظر إلى هذه المعطيات العالمية فضل السعيد بركات وزير الصحة أن يقطع لاشك باليقين وينهي الجدل القائم حول نجاعة اللقاح المستورد ليكون أول الملقحين على مرأى الملايين من الجزائريين الذين شاهدوا الوزير وهو يتلقى اللقاح لتختتم بذلك سنة 2009 التي عاشها الجزائريون في هلع كبير جراء الانتشار الواسع للفيروس الذي كان مصحوبا بغموض حول سبل الوقاية والعلاج منه وربما حتى عن هوية الفيروس نفسه في وقت تبقى فيه كل السيناريوهات محتملة.