عاد المغرب إلى » معزوفة « الحوار مع الجزائر من أجل تطبيع العلاقات وحل مسألة الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ 94، وبالتوازي مع سياسة » النوايا الحسنة «، أو بالأحرى المناورة على خط التطبيع، فتح رئيس الوزراء عباس الفاسي النار صوب الجزائر متهما إياها بالتسلح والسعي إلى الهيمنة على المنطقة. يواصل المسؤولون المغاربة حملتهم على الجزائر بالتوازي مع الضغوطات التي يواجها النظام المغربي على الصعيد الدولي على خلفية سياسته في الصحراء الغربيةالمحتلة، والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في هذه المنطقة، واللافت للانتباه أن الانتقادات والتهم التي يوجهها النظام المغربي للجزائر في كل مرة تأتي بشكل متزامن ومناقض لخطاب أخر يحاول إبداء حسن النية في تطبيع العلاقات بين البلدين وحل الخلافات بينهما، ومعالجة الملفات العالقة وعلى رأسها ملف الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ سنة 94. عباس الفاسي قال، خلال مهرجان خطابي نظمه حزب الاستقلال بقصر المؤتمرات بالعيون المحتلة، بمناسبة تخليد »الذكرى 66 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال«، أن الجزائر، التي اتهمها بمعاكسة المغرب فيما أسماه ب »وحدته الترابية«، وبالسعي من أجل الهيمنة على المنطقة، »تعرف خروقات مستمرة لحقوق الإنسان، ليس في تندوف فحسب، بل في جميع أنحاء التراب الجزائري«، حسب زعمه، وهو ما يؤكد مرة أخرى بان الرباط تعاني فعلا جراء الضغط الدولي المستمر عليها على خلفية حمالات القمع التي تقوم بها في الصحراء الغربية وعلى خلفية الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والمطاردات البوليسية للنشطاء الحقوقيين والسياسيين الصحراويين. وواصل رئيس الدبلوماسية المغربية حملته على الجزائر متهما الجيش الجزائري بمحاصرة من أسماهم ب » المحتجزين في تندوف «، في إشارة إلى اللاجئين الصحراويين، مضيفا بأن الجزائر تريد الهيمنة على المنطقة، داعيا إياها إلى »التحلّي بالحكمة والتبصر«، لتجاوز الخلافات القائمة مع المغرب بسبب قضية الصحراء الغربية، وأضاف زعيم حزب الاستقلال قائلا »إذا كان حكّام الجزائر يركّزون على التسلّح والتحرّش ضد المغرب، ومن أجل الهيمنة على المنطقة، فإن المغرب يركز على معركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسعي إلى بناء الاتحاد المغاربي«. الفاسي عبر عن رغبة بلاده في الدخول في حوار مع الجزائر من أجل تذليل العقبات التي تحول دون إعادة فتح الحدود البرية بينهما، ومن أجل تطبيع العلاقات والدفع بمسيرة الاتحاد المغاربي نحو الأمام، لكن ما يهم الرباط بشكل خاص هو التأثير على الجزائر التي لا تزال ترفض مخططات المغرب الهادفة إلى ضم الصحراء الغربية تحت غطاء ما يسمى بمخطط الحكم الذاتي، وإقناعها بإعادة فتح الحدود من دون أي شرط ومن دون معالجة مجمل القضايا الخلافية التي أدت إلى إقفال هذه الحدود. ويرى العديد من المراقبين أن اتهام المغرب الجزائر بالسعي إلى الهيمنة على المنطقة هو خطاب مستهلك، ليس بجديد تبناه حتى العاهل المغربي محمد السادس الذي سبق له أن اتهم الجزائر بزعزعة استقرار المنطقة وجرها نحو » البلقنة «، ويحاول المغرب تسويق خطاب مغلوط في اتجاه الأوربيين والولايات المتحدةالأمريكية مفاده بأن دعم الجزائر المبدئي والمعروف لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والاستقلال، سوف يؤثر سلبا على الاستقرار في المنطقة المغاربية، بل إن المغاربة وعلى أعلى مستوى زعموا بأن الصحراء الغربية قد تحولت إلى تربة خصبة لنشاط إرهابيي » القاعدة «، كما زعموا أيضا بأن ميلاد دولة جديدة في الصحراء الغربية من شأنه إنعاش النشاط الإرهابي بالمنطقة، بدعوى أن هذه الدولة الحديثة والضعيفة سوف تكون فريسة سهلة بيد الجماعات المتطرفة. وفضلا عما سبق فإن اتهام الجزائر بالتسلح المفرط، يعتبر من ثوابت الخطاب المغربي الرسمي والإعلامي، وأحد أهم ركائز الدعاية المغربية في السنوات الأخيرة، فكل صفقة تبرمها الجزائر لاقتناء أسلحة أو معدات عسكرية، مهما كان نوعها، يقابلها فزع مغربي ومزاعم بان الجزائر تتقوى على حساب التوازن الإقليمي، وتتقوى على حساب المغرب الذي يروج ساسته لفكرة جنونية، لتخدير الشعب المغربي،مفادها بأن الجزائر تتسلح للهجوم على المغرب.