انطلقت صباح أمس الانتخابات العامة في السودان في أجواء اتسمت بالهدوء، وقد شهد اليوم الأول من الاقتراع الذي يستمر ثلاثة أيام إقبالا ملحوظا على مراكز التصويت، ولم يسجل المراقبون الدوليون الذي انتشروا في الخرطوم وباقي ولايات السودان أي تجاوزات خلال هذا اليوم مبعوث "صوت الأحرار" إلى السودان: نجيب بلحيمر بدا السودانيون مهتمون بالحدث السياسي الهام الذي تعيشه بلادهم، وقد ركز الناخبون الذين التقيناهم في مراكز الاقتراع بالخرطوم على استتباب الأمن خلال اليوم من الانتخابات، وهو ما يعكس المخاوف التي سادت عشية الانتخابات حيث انتشرت الشائعات حول إمكانية حدوث مشكلات أمنية، وإمكانية فرض حظر التجول في أيام الاقتراع الثلاثة وهو الأمر الذي نفاه والي الخرطوم يوم الخميس، وقد تم نشر أعداد كبيرة من رجال الشرطة في جميع أنحاء العاصمة من أجل تأمين العملية، ورغم أن الدوائر الرسمية والإدارات لم تتعطل فإن طوابير تشكلت أمام مكاتب التصويت، ونصبت بعض الأحزاب المشاركة في الانتخابات بعض المكاتب بمحاذاة أماكن التصويت من أجل إرشاد الناخبين والبحث عن أسمائهم في السجل الانتخابي وإعطائهم أرقامهم ومكان تصويتهم تسهيلا للمهمة، وقد بدا الأمر مثيرا للاهتمام لكثير من الشباب الذي يصوتون لأول مرة في حياتهم باعتبار أن هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها في السودان منذ 24 عاما، وقال أحد العاملين في مركز تصويت مدرسة الحاج مصطفى بالخرطوم البحري إن عدد المصوتين خلال الساعات الثلاثة الأولى قارب المائتين من أصل ألف ومائتي مسجل في المكتب، وهي نسبة مرتفعة خاصة وأن الاقتراع يستمر لثلاثة أيام. وقد شهدت العملية بعض المشاكل التي وصفت بالتقنية والإدارية أخرت انطلاق التصويت لقرابة ساعتين في بعض المكاتب، حيث تأخر وصول معدات الانتخاب، من صناديق وبطاقات وأختام، إلى مكاتب التصويت، وقد عزا المشرفون على العملية الأمر إلى نقص التجربة التنظيمية، كما طرحت بعض الإشكالات بخصوص غياب أسماء بعض الناخبين، غير أن بعض المتنافسين في الأحزاب قللوا من تأثير هذه النقائص على العملية كما ذهب إلى ذلك حسن الترابي رئيس المؤتمر الشعبي بعد أن أدلى بصوته. وقد تخوف كثير من السودانيين من كون العملية معقدة، حيث وصفت هذه الانتخابات بأنها الأكثر تعقيدا في العالم، ويتعين على كل ناخب أن يختار ثماني بطاقات في الشمال واثنتي عشرة بطاقة في الجنوب لاختيار رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب وأعضاء المجالس التشريعية على المستوى الفدرالي وعلى مستوى الولايات، ولم يسجل وجود أشخاص يشرحون كيفية التصويت في المكاتب، إلا أن الأحزاب بدت مهتمة بنقل الناخبين إلى مراكز التصويت في عربات "الركشة" التي تنتشر بشكل كبير في شوارع الخرطوم، ولم يقتصر الغياب على الأشخاص الذين يشرحون كيفية التصويت بل شمل أيضا المراقبين الذين يمثلون المرشحين والأحزاب، وفي مكتب اقتراع بالخرطوم البحري قال لنا مراقب عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل أن العملية تجري بشكل طبيعي وأنه لم يلاحظ أي تجاوزات، وكان هذا المراقب هو الوحيد داخل مكتب وقف أمامه طابور من عشرات الأشخاص ينتظرون دورهم للإدلاء بأصواتهم. وفي مقابل هذا انتشر المراقبون الدوليون في معظم مراكز الاقتراع في الخرطوم، وقال بنيرجب، وهو مراقب من منظمة المؤتمر الإسلامي التقيناه بمركز في وسط الخرطوم "إن العملية تسير كما ينبغي خلال الساعات الأولى، وأن المنظمة زارت عشرة مراكز خلال الساعات الثلاث الأولى للاقتراع ولم تسجل أي تجاوزات" وأضاف "لا يزال الوقت مبكرا لإصدار حكم على العملية، نحن هنا نلاحظ ما يجري، وسندون ملاحظاتنا ونقدمها لتدرج في التقرير النهائي"، وهو نفس الانطباع الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي قال إن الأمور تسير كما ينبغي حسب المعلومات الواردة من مختلف المناطق التي يتواجد بها المراقبون، وأوفد مركز كارتر لمراقبة الانتخابات بعثة من 132 مراقبا انتشروا في مناطق مختلفة من السودان، كما تم السماح للسفارة الأمريكية، عشية الانتخابات، بإرسال بعثة مراقبين من ضمنهم القائم بأعمال السفارة في الخرطوم. وفي حدود منتصف النهار وصل الرئيس عمر حسن البشير والمرشح عن حزب المؤتمر الوطني إلى مدرسة القديس فرانسيس للتصويت، وتقع المدرسة بالقرب من مقر إقامة البشير وغير بعيد عن مجمع جرى بناءه حديثا ويضم وزارة الدفاع وقيادة أركان الجيش وقيادة القوات البرية، وقد دخل البشير، مرفوقا بحرمه، المركز تحت هتافات الله أكبر التي رددها بعض الحاضرين هناك، غير أنه رفض الإدلاء بأي تصريحات للصحافيين الذين تجمعوا في المكان، واكتفى وهو يغادر المكان بالتكبير ورفع أصبعه وبه علامة الحبر الدال على التصويت، وبعده حل وزير الدفاع إلى نفس المكتب حيث قام بالتصويت وغادر بعيدا عن أي بروتوكولات رسمية. اليوم الأول من الانتخابات السودانية سار بطريقة هدأت من مخاوف وقوع أعمال العنف التي سيطرت على شعور السودانيين عشية بداية الاقتراع، وقد بدأت من الآن حالة الترقب لما ستسفر عنه الانتخابات التي قاطعتها أطراف فاعلة منها الحركة الشعبية وحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، غير أن الكفة تبدو راجحة لحزب المؤتمر الوطني والرئيس عمر حسن البشير، وسيكون التحدي هو كيفية التعامل مع الوضع الجديد الذي ستفرزه الانتخابات خاصة في ظل تهديد بعض الأحزاب بعدم الاعتراف بالنتائج، غير أن قراءة أخرى تشير إلى أن مشاركة المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي قد تلحق خسارة فادحة بحزب الأمة القومي وزعيمه الصادق المهدي، كما أن آثار الانتخابات ظهرت مبكرا على الحركة الشعبية التي بدا موقفها متذبذبا بسبب خلافات بين قادتها حول المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها.