قررت المفوضية القومية للانتخابات في السودان تمديد فترة الاقتراع يومين آخرين، وجاء القرار بعد مطالبة بعض الأحزاب التمديد، وبسبب مشاكل تنظيمية اعترضت العملية الانتخابية في يوميها الأولين، وسيستمر التصويت في كامل التراب السودان إلى غاية يوم الخميس القادم مبعوث "صوت الأحرار" إلى السودان: نجيب بلحيمر وجاء القرار الذي أعلن عنه المسؤول الإعلامي للمفوضية صلاح حبيب ليستجيب لمطالب جهات عديدة بالتمديد، حيث كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان قد دعت إلى تمديد الانتخابات بأربعة أيام إضافية، كما كان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي يقود بعثة مراقبين للانتخابات قد توقع التمديد بالنظر إلى المشاكل التي واجهتها العملية في اليوم الأول. وكانت بعض مكاتب الاقتراع قد فتحت أبوابها متأخرة في اليوم الأول للاقتراع بسبب تأخر وصول معدات الانتخاب، وزيادة على ذلك واجهت الناخبين مشكلات تتعلق بسقوط أسمائهم من السجل الانتخابي، كما اضطرت المفوضية إلى إعادة طبع أعداد كبيرة من البطاقات بعد أن ظهرت فيها عيوب في الطباعة التي تمت في بريطانيا وجنوب إفريقيا، وقد قالت مفوضية الانتخابات بأنها تعاملت مع هذه الأخطاء التي وصفت بالفنية وعالجتها ، غير أن كثيرا من الناخبين اشتكوا لليوم الثاني من استمرار هذا الوضع، وهو ما يعني أن تصحيح الوضع قد يتطلب مزيدا من الوقت ويحتم تمديد فترة الاقتراع لتتجاوز الأيام الثلاثة التي كانت مقررة سلفا. وتعتبر التعقيدات التي ميزت عملية التصويت حيث يتعين على الناخب في الشمال وضع ثمانية بطاقات واثني عشرة بطاقة في الجنوب، من بين الأسباب التي جعلت التصويت يسير بوتيرة بطيئة حيث شوهدت الطوابير أمام مراكز التصويت لليوم الثاني على التوالي، وقد جعلت هذه التعقيدات عملية التصويت تستغرق عشر دقائق بدل الأربع دقائق التي كانت مفترضة من الناحية النظرية، ويخشى كثير من السودانيين أن تحول هذه الوضعية دون ممارستهم لحقهم الانتخابي، وقد جاءت المطالب بالتمديد من الجنوب تحديدا الذي يشهد أكبر إقبال على التصويت، وقد طالبت الحركة الشعبية بتمديد التصويت أربعة أيام أخرى. وأرادت أحزاب المعارضة، التي انسحبت من الانتخابات أو قاطعتها، استغلال هذا النقائص للتشكيك في مصداقية العملية برمتها، واعتبرت أن ما تسميه مفوضية الانتخابات أخطاء فنية هو عمليات تزوير، وعلى هذا الأساس دعت هذه الأطراف إلى إلغاء العملية الانتخابية وعدم الاعتراف بنتائجها، غير أن محاولة تكييف نقائص العملية سياسيا لم تجد الدعم من قبل المراقبين الدوليين الذين فضلوا الحديث عن متاعب لوجيستية وليس عن تجاوزات تطعن في نزاهة العملية وسلامتها. وفي هذا السياق قال جيمي كارتر أن "انهيار الانتخابات في السودان واتفاق السلام الشامل المرتبط بها يمكن أن يشعلا حربا دينية على المستويين الوطني والإقليمي"، وأضاف كارتر في تصريحات أدلى بها لرويترز في الخرطوم أمس قائلا "إنه من المهم أن تمر الانتخابات السودانية بسلام بسبب الموقع الإستراتيجي للبلاد وأهمية اتفاق نيفاشا للسلام" وعبر عن اعتقاده بأنه "في حال وقعت أعمال عنف أو تدهور في الأوضاع في السودان فربما ينتشر الأمر إلى جزء كبير من أفريقيا"، وفسر الأمر بوجود "احتمال لاستقطاب التأييد أو العداء بين الشمال المسلم والجنوب غير المسلم، حيث إن لبعض الدول المجاورة التزاما عميقا بالمسيحية وبعضها غير ذلك، وربما يقود إلى احتمال نشوب صراع ديني وآخر إقليمي في هذا الجزء من أفريقيا"، واستطرد قائلا "قد يحدث في حالة انهيار العملية الانتخابية برمتها انهيار يسفر عن أعمال عنف من الجانبين"، لكنه أضاف أن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا تعطلت العملية المنصوص عليها في اتفاق السلام الشامل تماما غير أنه توقع عدم حدوث ذلك. وقد هاجمت بعض الأطراف التي تعارض الانتخابات كارتر وقالت بأنه جاء ليلعب دوره في صفقة عقدت من أجل تمرير الانتخابات تمهيدا للاستفتاء الذي سيؤدي في النهاية إلى انفصال الجنوب عن الشمال، غير أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان جعل هدفه الأول في الحملة الانتخابية هو الحفاظ على السلام ووحدة السودان، ونفى كبار المسؤولين في الحزب وجود أي صفقة سياسية مع الحركة الشعبية أو مع الولاياتالمتحدة التي اتخذت موقفا أكثر مرونة من الانتخابات، وقد تم الربط بين الموقف الرسمي الأمريكي وعودة مركز كارتر لمراقبة الانتخابات إلى السودان بعد أن غير موقفه السابق المطالب بتأجيل الاقتراع. الجدل الذي ثار حول النقائص التي تم تسجيلها في اليومين الماضيين كشف مفارقة غريبة، ففي حين تعتبر بعض الأحزاب التي ترفض الانتخابات أن هذه الأخطاء تطعن في شرعية العملية يصر السودانيون على الوقوف لساعات طويلة في طوابير من أجل الإدلاء بأصواتهم، بل إن السبب الأول الذي أدى إلى بروز هذه الأخطاء هو الإقبال على التصويت بنسب تجاوزت التوقعات، ويقول المشاركون في العملية الانتخابية إن هذا الإقبال دليل آخر على رغبة الشعب السوداني في تعزيز السلام وتحقيق الازدهار الاقتصادي. النقطة الأخرى اللافتة في هذه الانتخابات هو حالة الهدوء الأمني التي صاحبت عملية التصويت، فلليوم الثاني على التوالي لم يتم تسجيل أي أحداث تذكر في عموم مناطق أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة، وهو الأمر الذي جعل العملية تسير بأكثر سلاسة في اليوم الثاني، ويتوقع لها أن تكون كذلك خلال الأيام الخمسة المقبلة.