لم يبق على زفافها أكثر من خمسة عشر يوما..صارت تتجهّز أكثر للعرس ومتطلباته الكثيرة رغم أنها تدرك أن والدها من الكادحين في هذا البلد ولكنه فحل لا يطأطئ رأسه ليسعف جيبه ولا يمد يدا لما ليس له.. كانت تردد دائما لصديقاتها بفخر وهي ككل بنت معجبة بأبيها: ما عندناش ومايخصناش.. في هذا الصباح أفاقت على حكّة جلدية غريبة وما فتئ الأمر أن تطور إلى بقع مجهولة أثارت مخاوفها وأحدث طوارئ لدى عائلتها.. لم تصبر كثيرا على المرض الذي داهم جسمها الغضّ الندي..وقرّرت بسرعة أن تذهب مع والدتها إلى عيادة خاصة قريبة من الحي بمنطقة جنوب العاصمة. دخلت إلى طبيبة مختصة في أمراض الجلد وبعد وقت غير قصير من الفحص والتشخيص وكثير من الأسئلة صعقتها الطبيبة ُ بالخبر: عندك البرص..! أطبق الصمتُ على المكان واحتبست الدموع في عيني العروس التي لم تزفّ إلى خدرها بعد، ثم واصلت الطبيبة تقول بكل حزم: »الحال صعيب..راني فاهمة وضعيتك وانت توجدي روحك للعرس، لكن لازم تقولي لراجلك..وإذا ما تقدريش نقدر نعاونك وأنا أنفهمو..«! توقفت الأرض عن الدوران وعادت عقارب الساعة إلى الخلف..تهاوى كل شيء أمام الفتاة التي أجهشت بالبكاء وحيّرت الأهل والأصدقاء.. مرّ يومان توسّل فيهما الوالد بأحد الجيران الذي ما إن سمع بالخبر حتى تدخل ونقلها إلى المستشفى وما هي إلاّ ثمان وأربعون ساعة من التحاليل وصور الأشعة والتشخيص حتى تقرّر خروج الفتاة وعودتها إلى البيت.. لم يكن بها برص ولا شيئ..إن هو إلاّ حساسية من الكبد بفعل أكلة أو طعام غير مناسبين.. تعافت الفتاة وزفّت إلى بيت زوجها بعد كاد خطأ طبي أن يحطم مستقبلها ويرمي بها في غياهب المجهول.. لا تزال الطبيبة تمارس نشاطها، و لا نزال نتحدث عن الأخطاء الطبية وأنسنة قطاع الصحة في الجزائر من باب فاكهة الكلام، ويطلع علينا الوزير الجديد بفكرة المضيفات في المستشفيات بينما تعاني الصحة عندنا من برص حقيقي منذ أمد..! »الجميع يفكر في تغيير العالم ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه« ليون تولتستوي