الوثائق تتكلم وتشهد أن ما يجري على أرض العراق منذ احتلاله هو جريمة كبرى ضد الإنسانية ينفذها الاحتلال الأمريكي بأيدي جنوده تارة، وبأيدي أعوانه الذين يحكمون بغداد، وبأيدي الإيرانيين أيضا الذين يعيثون في البلاد فسادا وفي أهلها تقتيلا وتمزيقا. أكثر من ثلثي ضحايا الاحتلال الأمريكي للعراق هم من المدنيين، والحكومة التي نصبها الاحتلال هي حكومة طائفية تستعمل القتل والتعذيب بشكل منهجي من أجل البقاء في السلطة، وخلال سنوات الاحتلال شهد العراق عملية إبادة جماعية وتصفية مذهبية أشرفت عليها إلى جانب الحكومة العميلة للاحتلال، منظمات إجرامية مثل جيش المهدي ومنظمة بدر ترتبط بشكل مباشر بالمخابرات الإيرانية التي تنفذ مخططا تخريبيا واضحا يسير باتجاه تدمير العراق على المدى البعيد ومنع عودته إلى الساحة كقوة إقليمية. الدرس الأهم الذي تقدمه الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس هو أن أمريكا حولت العراق إلى مسرح كبير ومغلق لارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية، فالاحتلال ممثلا في القوات الأمريكية والبريطانية أساسا ارتكب جرائم لا تكاد تحصى في حق العراقيين تمثلت في قتل وسجن وتعذيب وتشريد ملايين العراقيين وأغلبهم مدنيون، ولم يكتف بذلك، بل فتح الباب أمام المجرمين من كل جانب لكي يصفوا حساباتهم مع الشعب العراقي، وهكذا تولى عملاء إيران الحكم، وتولت إيران بنفسها قيادة عمليات الانتقام، وعندما تتحدث الوثائق عن مشاركة ضباط أمن ومخابرات إيرانيين في تسيير حواجز أمنية داخل العراق بالاشتراك مع المليشيات وفرق الموت الشيعية، فإن السؤال الذي يجب أن يطرح ليس حول مصداقية الوثائق، ولكن حول السر الذي يجعل أمريكا، وهي التي تعادي إيران، تتستر على هذه الأفعال. أمريكا لا تمانع في أن تشارك إيران في الجريمة، مثلما لم تمانع أول مرة في قبول مساعدتها في احتلال العراق وأفغانستان، فالعراق بالنسبة للطرفين هو ساحة قتال أو تفاوض بطريقة أخرى قد تجنبهما الصدام المباشر، وإذا كانت أمريكا لا تكترث كثيرا لرأي العرب والمسلمين فيها فإن إيران لا يمكن أن تحتمل العيش في وسط معاد، وهي اليوم تأخذ بكل أسباب العداء لكل العرب، وللغالبية العظمى من المسلمين.