من عجائب وغرائب القادة العرب الرسميين، ما جاء في بيان المجموعة العربية تعقيبا على زيارة المبعوث الأمريكي ميتشل إلى منطقة الشرق الأوسط »أنهم يدعون الولاياتالمتحدة لتقديم عرض جاد للسلام« .. والغريب أن زيارة ميتشل جاءت بعد يوم أو يومين من إعلان أمريكا – أوباما صراحة وبشكل واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض وغير قابل للتأويل: »لقد فشلت في الضغط على إسرائيل من أجل وقف عملية الاستيطان«.. والفشل الأمريكي جاء بعد تقديم إغراءات هائلة لإسرائيل تمثلت في منحها طائرات عسكرية جد متطورة .. لكن ذلك لم ينفع. أمريكا إذن قررت الانسحاب من عملية السلام بعد 20 سنة كاملة من التلاعب بالعرب وخاصة الفلسطينيين وحثهم على تقديم التنازل تلو الآخر، فمنذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 إلى غاية زيارة ميتشل نهاية الأسبوع الماضي، لم يستفد العرب والفلسطينيون شيئا .. ما عدا ما يحلو للبعض اعتبار »منح الراحل ياسر عرفات جائزة نوبل للسلام عام 1993 ردا على توقيعه اتفاقيات أوسلو من المكاسب ..«. ولكن إسرائيل نفسها لم تحقق شيئا أيضا، إنها فوتت على نفسها فرصة العمر في إقامة دولة صهيونية على أٍراضي عربية بسبب الخلل الحاصل في ميزان القوة.. إن وفاة عملية السلام أو وفاة المفاوضات كما أسمتها وسائل إعلام عربية وغربية أيضا.. هو في الحقيقة وفاة مسار التنازلات التي قدمها الطرف العربي وخاصة الفلسطيني منذ ميلاد »وهم أوسلو«.. ووفاة مسار التنازلات يعني وفاة أوسلو ووفاة أوسلو يبشر بالخير وعلى رأسه تمهيد الطريق لوحد الصف الفلسطيني لأن أسلو هي السبب الرئيسي للخلاف والانقسام والتشتت. أوسلو.. أخرجت القضية الفلسطينية من إطارها الطبيعي ، لقد حولوها إلى »قضية فلسطينية« حاصلة، والنتيجة يعرفها الجميع : دخول النفق المسدود النهاية. زوال أوسلو يعني إعادة القضية إلى إطارها الطبيعي »قضية فلسطينية أولا، عربية ثانيا، وإسلامية ثالثا«س. الفلسطينيون فشلوا، والعرب فشلوا بانقسامهم إلى معتدل ومتطرف ، بانقسامهم إلى مجموعة كامب ديفيد ومجموعة المقاومة.. لكن هيا ننظر كيف أدت عودة تركيا قبل عامين فقط لتلعب دورها في الشرق الأوسط كم حققت القضية الفلسطينية من مكاسب، أولها مواصلة حشد التأييد الدولي لحصار إسرائيل ورفع الحصار عن غزة وكشف الصهيونية للرأي العام العالمي، وثانيها كسب اعتراف كل من البرازيل والأرجنتين وقريبا الأوروغواي بحق الفلسطينيين في إقامة دولة على حدود 1967. العرب مازالوا يعتقدون أن أمريكا التي فشلت في نزع تنظيم كأس العام 2022 من دولة قطر، ما زالت قادرة على لعب دور كبير على خشبة المسرح الدولي، مازالوا يعتقدون أن أمريكا التي تراجعت صادراتها الخارجية في السنوات الأربعة الأخيرة أمام كل من الصين وألمانيا يمكن الرهان عليها. الحكام العرب لم يدركوا بعد أن الأزمة المالية العالمية ضربت أمريكا في مقتل، كما ضربت العديد من الدول الأوروبية أيضا، بما يعني »إضعاف حلفاء إسرائيل في المنطقة«. الأوروبيون أنفسهم تأكدوا أن أمريكا أصابها الشلل، لذلك أصدر الإتحاد الأوروبي بيانا يوم 13 ديسمبر الماضي، يعلن فيه بصراحة أن مواصلة إسرائيل بناء المستوطنات يعد خارج القانون الدولي. وفي السياق ذاته وقعت نحو 26 شخصية أوروبية منهم رومانو برودي الوزير الأول الإيطالي السابق، ووزير خارجية فرنسي الأسبق باتن، والوزير الإسباني الأول الأسبق خافير سولانا، بيانا يدعون الإتحاد الأوروبي لزيادة الضغط على إسرائيل، ليمهل إسرائيل حتى شهر أفريل 2011 لتعلن بشكل رسمي عن «توقيف بناء المستوطنات والعودة الجدية للسلام، وإلا إعادة القضية إلى الأممالمتحدة«. نعم، يتعين على الفلسطينيين حل »السلطة الفلسطينية« وإعادة مفاتيحها إلى الأممالمتحدة والإعلان أمام الرأي العالمي أن القضية الفلسطينية هي »قضية تصفية استعمار«. لقد مات »مسار الإستسلام ومسار التنازلات« الذي أسمي ظلما »مسار المفاوضات« ومسار السلام. لقد ماتت أوسلو . وعندما تموت أوسلو تحيى فلسطين.