لا يهدف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني من خلال إعلانه الحرب على المال الفاسد إلى تجريم أو الإساءة إلى رجال الأعمال، بل إن الغاية من موقفه الواضح في هذا الموضوع هو تقديم الصورة التي ينبغي أن يكون عليها مرشحو الحزب للانتخابات التشريعية المقبلة، وهذا ما أكدت عليه بوضوح التعليمة الصادرة عن الأمين العام، التي شددت على مقاييس الكفاءة والنزاهة وصفاء الذمة المالية. ويحرص الدكتور جمال ولد عباس في كل تصريحاته، وفي أكثر من مناسبة، على التمييز بين "المال الحلال" و "المال الحرام"، ففي حين يرحب حزب جبهة التحرير الوطني بالذين كونوا ثرواتهم بطرق شرعية، فإنه- يقول الأمين العام-: "سيقف بالمرصاد لكل من يحاول توظيف المال الفاسد للترشح". وهذا الموقف الواضح، الرافض للمال الفاسد، يؤسس لسياسة جديدة، يلتزم بها حزب جبهة التحرير الوطني ويأمل أن تحذو حذوه بقية التشكيلات الحزبية، سعيا إلى أخلقة وإضفاء النظافة على الحياة السياسية وجعل المنافسة في الانتخابات بين البرامج والأفكار وليس بين الفاسدين. وإذا كان صوت المواطن ليس سلعة تباع وتشتري، فإن المترشح للانتخابات، مهما كان نوعها ومستواها، يجب أن يكون ماله معلوم المصدر، لا شبهة فيه، وهذا لعدم تشويه العملية السياسية وإفسادها بالأموال القذرة. ولذلك يؤكد الأمين العام بأنه ليس ضد المال الحلال، بل إن حزب جبهة التحرير الوطني" لن يحرم رجال الأعمال النزهاء من حقهم في الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة"، لكنه "سيحارب أصحاب المال الفاسد الذين يبحثون عن غطاء سياسي لتبيض أموالهم". إن الرصيد الذي يعتز به حزب جبهة التحرير الوطني ويراهن عليه في خوض السباق الانتخابي هو كفاءة ونزاهة ومصداقية مرشحيه، إيمانا منه بأن صاحب المال الفاسد أو الذي يدفع مالا لشراء الذمم، إما هو فاقد الاعتبار ولا يستحق أن يكون ممثلا لحزب جبهة التحرير الوطني أو حاملا لاسمه. وليس هذا الموقف الواضح والصريح للاستهلاك أو لذر الرماد في العيون، بل هو موقف صادق، نابع من قناعة أصيلة، وهو أن جبهة التحرير الوطني "حزب له رصيد تاريخي ثري ونظيف، يتطلب من الجميع الوقوف وقفة رجل واحد للحيلولة دون تلطيخه". ويجب الاعتراف بأن ظاهرة المال الفاسد أصبحت مرضا مستفحلا ينخر الممارسة السياسية ويعطي صورة مشوهة للفعل الانتخابي، ولعل أقوى شاهد على أن المال الوسخ، قد تغلغل بقوة في الوسط السياسي، هو انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، حيث كانت "الشكارة" حاضرة، بل ومهيمنة في حالات محددة ومعروفة! لقد ألزم حزب جبهة التحرير الوطني نفسه بسد الطريق أمام أصحاب المال القذر بجميع أشكاله، خاصة وأن هدف هؤلاء هو التموقع والظفر بمقعد نيابي للحصول على الحصانة لحماية أموالهم! لذلك فلا مكان لهم في القوائم التي سيتقدم بها الحزب لامتحان الصندوق. ومن الطبيعي جدا أن يفتح حزب جبهة التحرير الوطني أبوابه أمام أصحاب المال النظيف، من رجال الأعمال المعروفين، فهم جزائريون، ومن حقهم أن يمارسوا النضال والسياسة وأن يترشحوا للانتخابات وأن يصبحوا نوابا، لا عيب في ذلك ولا خطر على الممارسة السياسية، خاصة وأن الأحزاب لم تنشأ لتكون فضاء لفئة معينة من المجتمع، بل هي تتسع لكل الشرائح، وكذلك هو الشأن بالنسبة للقوائم الانتخابية، حيث أنها تحوي أطباء ومحامين وأساتذة وتجارا ورجال أعمال وكفاءات متنوعة. إذن، لقد حدد الأمين العام الدكتور جمال ولد عباس "خارطة طريق" في هذا المجال، واضحة ودقيقة، وهي تؤكد أن حزب جبهة التحرير الوطني يفتح أبوابه أمام "المال الحلال" ويغلق كل الأبواب أمام "المال الحرام".