بذلت الحكومات المتعاقبة خلال العشرية المنقضية جهودا كبيرة لخلق مناصب شغل وتقليص نسبة البطالة التي قاربت 30 بالمائة نهاية 1999، ويعد نجاح الجزائر في تقليص هذه النسبة إلى ما يقارب 10 بالمائة في ظرف 11 سنة بمثابة انجاز هام لاستيعاب الطلب المتزايد على الشغل لا سيما في وسط الشباب، إلا أن هذا العدد من البطالين والذي يمثل الشباب الجامعي النسبة الأكبر منه هو من بين الملفات التي تثقل كاهل الدولة خاصة في ظل الاستثمار السياسي لهذه الورقة ومحاولات استغلال الشباب البطال من قبل بعض الأطراف لحسابات سياسية ضيقة. من أهم مخلفات العشرية السوداء التي عرفتها البلاد سنوات التسعينات هي معضلة البطالة التي ضربت بأطنابها في المجتمع الجزائري لعدة اعتبارات منها الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد منذ 1986 بعد انهيار أسعار النفط وتجميد أو إلغاء عدة مشاريع اقتصادية، ثم تسريح آلاف العمال بسبب الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على الجزائر مقابل إعادة جدولة الديون، ثم الأزمة السياسية والأمنية سنوات التسعينات وعملية التخريب والحرق التي طالت نسبة كبيرة من المنشآت العمومية والمصانع والمؤسسات فضلا عن التوقف التام لعجلة التنمية والاستثمارات لفترة زمنية قاربت العشر سنوات، كلها عوامل كانت وراء زيادة عدد البطالين ليقارب عددهم ثلث القوة القادرة على العمل نهاية 1999. وحظي ملف البطالة باهتمام خاص من قبل الحكومات المتعاقبة في محاولة لاستيعاب الطلبات المتزايدة على الشغل وقناعة منها بما يمثله توفير العمل من أهمية في الحفاظ على السلم الاجتماعي، وكان من أهم تحديات الرئيس بوتفليقة في عهدته الرئاسية الأولى إلى جانب إعادة الأمن والاستقرار للبلاد تدوير عجلة التنمية وخلق مناصب شغل تستوعب ملايين الشباب البطال، وساهم ارتفاع أسعار النفط في تحقيق أهداف الحكومة في مجال التشغيل حيث تشير الأرقام والإحصائيات إلى تراجع نسبة البطالة سنة 2004 إلى 17 بالمائة ثم إلى 13 بالمائة سنة 2009 ، من خلال خلق ما يقارب 2 مليون منصب شغل خلال العهدتين الأولى والثانية للرئيس بوتفليقة والالتزام بتحقيق نفس العدد خلال العهدة الحالية في إطار المخطط الخماسي للفترة 2010 إلى 2014. أخر الإحصائيات المعلنة من قبل الديوان الوطني للإحصائيات تشير إلى تراجع نسبة البطالة إلى ما دون 11 بالمائة، لكنها أكبر من هذا الرقم في وسط الشباب الجامعي حسب تأكيدات وزير العمل والتشغيل، هي نسبة تعكس الجهود التي بذلتها الدولة طيلة 11 سنة لتقليص حجم البطالة من 30 بالمائة إلى 10 بالمائة في ظرف 11 سنة، لكنها في الوقت نفسه تدعو إلى القلق لأنها تعني بصيغة أخرى أن ما يقارب 2 مليون جزائري يعانون البطالة ويفترض في الحكومة أن توفر لهم مناصب عمل. من وجهة نظر المسؤولين، القضية هي قضية وقت لأن مهمة معالجة تراكمات ما يقارب العشريتين من الزمن عانت في الجزائر من غياب الأمن والتنمية والاستثمارات ليست بالمهمة اليسيرة، لكنها من وجهة نظر الشباب قضية حياة أو موت وقضية كرامة أيضا، وتوفير منصب الشغل للشاب الجزائري هو حماية له من الوقوع في براثن الجماعات الإرهابية. البطالة واقع في الجزائر لا يمكن تجاهله، أو القفز عليه، لكنها في الوقت نفسه قد تحولت إلى ورقة يسعى الجميع للاستثمار فيها واستغلالها متى دعت الحاجة إلى ذلك، من خلال محاولات جرّ الشباب البطال واليائس إلى معارك هامشية لأغراض ومصالح سياسية ضيقة يريد أصحابها الوصول إلى غاياتهم على جثث الشباب البطال، والدولة اليوم مدعوة أكثر من أي وقت مضى لقطع الطريق أمام الساسة المغامرين وحماية أبنائها من خلال البحث عن حلول أكثر نجاعة لمشكل البطالة وتوفير مناصب شغل لخريجي الجامعات.