تستعيد عين الدفلى تسميتها القديمة التي أطلقها عليها المستعمر الفرنسي يوما عندما شبهها بزهرة "المارغريت" المعروفة لدينا بالقرنفل، زهرة فاحت بعطرها وصالت بجمالها الذي ظن الإرهاب يوما أنه شوهها، لكنها اليوم تختزل ماضيا مثقلا بالهموم والآلام والجراح وتخرج من الرماد كالعنقاء ليعزف فيها البارود دوي جبروت المقاومة التي خاضها الأمير عبد القادر على هذه الأرض ويحتضنها ليستلهم منها الانفتاح ويستقي منها الصبر، عين الدفلى تصنع اليوم التغيير وتتحول إلى ورشة يسكنها النماء من كل جوانب احتياجاتها ليجعل منها المدينة القادرة على الإبداع والتطور، وتحصد بعد عشر سنوات من البناء والتشييد سنابل النجاح والتفوق. على بعد أزيد من 145 كلم جنوب غرب العاصمة تستقبلك ولاية عين الدفلى ببساط أخضر يمتد على سهولها المترامية عبر بلدياتها ال 36 الموزعة على 14 دائرة، كثافتها السكانية تفوق 752 ألف ساكن ينتشرون على مساحة إجمالية تقدر ب 4260 كلم مربع منها ما يفوق ال 50 بالمائة مساحة زراعية وهو ما أهل الولاية لأن تكون زراعية من الدرجة الأولى وبامتياز. الولاية انبثقت عن التقسيم الإداري لسنة 1984، ورغم حداثة نشأتها إلا أنها ولاية تاريخية، والشواهد التاريخية تروي تعاقب العديد من الحضارات عليها، منها الرومانية التي تركت بصماتها قبل أن تطيح بها الحضارة الإسلامية التي حلت بالمنطقة أواخر القرن العاشر، وشيدت عام 362 مدينة مليانة على يد بولوغين بن زيري من قبيلة صنهاجة، وخلال الفترة العثمانية كانت المنطقة تابعة لدار السلطان والإمرة المباشرة للباشا، أما سنة 1934 فقد اتخذها الأمير عبد القادر مقرا لخلافته وحصنا حربيا له، أما ثورة التحرير فتروي البطولات المجيدة لعدد من الشهداء من أمثال الشهيد بوقرة الذي سقط بالمنطقة رفقة عدد من رفقائه، كما أنجبت الولاية نخبة من العلماء والأدباء، على اعتبار أن المنطقة كانت تضم عددا كبيرا من المساجد والزوايا والمدارس القرآنية التي جلبت إليها جموعا من طلاب العلم ومشاهير الفقهاء والمشايخ والأدباء من شتى أنحاء بلاد المغرب والمشرق، ومن أشهر المعالم الدينية للمنطقة ضريح الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف الراشدي قطب الصالحين الذي نال شهرة وشعبية واسعة في شمال إفريقيا إلى جانب الشيخ بن شرقي. وقد استفادت ولاية عين الدفلى من برنامج طموح ساهم في إخراج الولاية من فقرها وعزلتها التي صنعتها سنوات الإرهاب الدموي الذي عاث في المنطقة فسادا، حيث تم رصد مبلغ إجمالي يفوق ال120 مليار دينار، منها 68.21 مليار دينار في إطار البرنامج القطاعي للتنمية و12.06 مليار دينار ضمن البرنامج الممركز للتنمية، وقد سمحت هذه البرامج بالتكفل التام بانشغالات المواطن واحتياجاته الأساسية وضمان إنشاء وتأهيل المنشآت القاعدية الأساسية، بالإضافة إلى بعث النمو الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا الإطار فإن الإستراتيجية التنموية على المستوى المحلي اعتمدت على محورين أساسيين، يرتكز الأول على إعداد برامج تنموية سنوية على المدى القصير والمتوسط، وهذا حتى يتسنى تلبية الحاجيات الضرورية للسكان في أقرب الآجال الممكنة خاصة الحاجيات التي لها تأثير خاص على الحياة اليومية للسكان وتحسين ظروفهم المعيشية، أما الثاني فيتعلق بإعداد نظرة مستقبلية تسمح بنمو اقتصادي متسارع قادر على دفع المجهود التنموي الاقتصادي والاجتماعي لكل الولاية من خلال برامج دعم التنمية الاقتصادية والهياكل القاعدية، وعليه وخلال الفترة الممتدة من 1999 -2008 تم الانتهاء من العديد من المشاريع المرتبطة مباشرة بالوضعية الاجتماعية للمواطن، لا سيما ما تعلق بالموارد المائية، حيث تم تسجيل تحسن هام في نسبة الربط والتزود بالماء الشروب الذي انتقل خلال نفس الفترة من 45.94 بالمائة إلى 80.76 بالمائة علما أن المعدل الوطني بلغ 92 بالمائة، أما فيما يخص التطهير فقد انتقل من 46 بالمائة إلى 70.79 بالمائة وهو ما يقترب من المعدل الوطني المقدر ب 87 بالمائة. أما فيما يتعلق بقطاع الأشغال العمومية فإن المشاريع المجسدة بالولاية ساهمت في فك العزلة عن العديد من القرى والبلديات النائية وذلك بإعادة تهيئة 133.3 كلم من الطرق منها 83.3 كلم طرق بلدية، بالإضافة إلى انجاز وتهيئة أزيد من 260 كلم من الطرق الوطنية، منها جزء هام من الطريق السيار شرق - غرب الذي يقطع الولاية على مسافة تفوق ال 100كلم ، إلى جانب تهيئة 215 من الطرق الولائية. ودون الخوض في سلسلة الإنجازات الهامة التي استفادت منها الولاية، فإنها اليوم تعيش على أصداء إذاعة محلية، مركز جامعي ودار للثقافة، كلها ساهمت في إسماع صوت الولاية وإخراجها من العزلة. أزيد من 6000 عائلة نازحة عادت إلى منازلها والمصالحة تؤتي ثمارها كشف والي ولاية عين الدفلى السيد عبد القادر قاضي في حديث خص به "المساء" عن سلسلة من الأرقام والمؤشرات الإيجابية التي ساهمت في إخراج الولاية من عزلتها التي ظلت تتخبط فيها لعدة سنوات، زادتها سنوات الإرهاب الهمجي الذي أوقف قطار التنمية بها، وقد وقعت سنة 1999 تاريخ انطلاق قطار التنمية بالولاية الذي جر معه سنوات الحرمان والخراب التي وإن ظلت صور ذكراها عالقة في أذهان الدفلاويين إلا أن آثارها قد مسحت من وجه المدينة التي استعادت بريقها وجمالها عبر سلسلة من المشاريع التي غيرت من ملامح المدن التي تشكل ولاية عين الدفلى على غرار مليانة، عين الدفلى المدينة، خميس مليانة ... وغيرها. وقد ساهم التحسن الكبير في الوضع الأمني من خلال التراجع الهام والمحسوس للعمليات الإرهابية في عودة الحياة إلى مجراها الطبيعي، الأمر الذي حفز أزيد من 6000 عائلة على العودة لمساكنها وقراها التي هجرتها خلال العشرية الدموية التي مرت بها الولاية، والتي كانت الأكثر عرضة للتخريب والدمار، وهي التي كانت ضمن ما يسمى بمثلث الموت الذي جمعها مع كل من ولايتي البليدة والمدية، وبعودة الستة آلاف عائلة فإن الاستقرار يعود لنحو 30 ألف مواطن وفرت لهم السلطات أهم ضروريات الحياة من هياكل قاعدية ومرافق تربوية وصحية وطرق .. والتي ساهمت إجمالا في توفير الشغل والاستقرار. وتسبب زحف العائلات نحو المدن سواء بحثا عن الأمان أو عن فرص عمل في إخلاء ما لا يقل عن 50 قرية، عملت السلطات الولائية على إعادة إعمارها وتأهيلها بسكانها الأصليين، ولم تكن عملية إقناعهم سهلة حسب والي ولاية عين الدفلى، حيث أكد أن إمكانيات كبيرة وهامة وضعت تحت تصرف العائلات التي عوضت عن ممتلكاتها المسلوبة، وتلك التي تعرضت للتخريب من طرف الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى توفير الأمان وجملة من المرافق الضرورية للحياة، في حين قيمت لجان الولاية عدم جدوى عودة العديد من العائلات الأخرى بعد الاطلاع على وضعيتهم ومعاينة مناطق سكناهم القديمة، والتي لم تعد تصلح للسكان، وحفاظا على عدم تذبذب تمدرس أبناء العائلات النازحة ومراعاة لمشاعرهم وذكرياتهم الأليمة التي عايشوها في قراهم ومداشرهم . وقد جاء ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ليزيد من استقرار العائلات التي تضررت بفقدان عزيز وغال، حيث يوضح السيد عبد القادر قاضي أنه تمت تسوية 99 بالمائة من الملفات العالقة، وهو ما يقابل 430 ملفا رصد لها ما لا يقل عن 300 مليون دينار، فيما لا تزال أبواب المسؤولين مفتوحة للجميع بغية إيجاد حل لجميع الحالات العالقة. وتؤكد تصريحات العديد من المواطنين أن الوضع الأمني لم يعد هاجسا، بل ويذهب آخرون إلى اعتباره من ذكريات سكان الولاية فهو لا يتعلق فقط بالعمليات الإرهابية، بل كذلك بالتراجع الملحوظ لنسبة الجريمة بأزيد من 70 بالمائة بعدما كانت تسجل المصالح الأمنية يوميا مابين 30 إلى 40 اعتداء وجريمة تتعلق بالضرب وسرقة السيارات والهواتف النقالة وغيرها، في حين لا يسجل اليوم سوى حالة إلى أربع حالات على الأكثر خلال الشهر الواحد. وساهم تحسن الوضع الأمني في تراجع مستوى الجريمة، علما أن معظم الجرائم المسجلة تحمل بصمات العناصر الإرهابية التي تبحث عن مصادر رزق من خلال ابتزاز المواطنين وسرقة ممتلكاتهم، وهذا دليل على تأزم أوضاع الإرهابيين. وإن سجلت الولاية استسلام العديد من العناصر المغرر بهم خلال العشرية الماضية خاصة تلك التي امتثلت لنصوص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، غير أنه لا يمكن الحديث عن القضاء الكلي على هذه الآفة حسب السيد والي الولاية الذي أكد أن الخطر يبقى قائما ولاوجود لأمن تام. 200 طلب استثمار في طريقها نحو التجسيد واستقرار عشرات الشركات الأجنبية بالولاية انعكست مؤشرات استتباب الأمن باستقرار عدد هام من الشركات الأجنبية التي تعمل بكل نقاط الولاية ولا سيما المناطق النائية منها، والتي كسرت حاجز الخوف بتسلمها لغالبية المشاريع التي استفادت منها الولاية، ويتعلق الأمر خصوصا بالشركات الصينية التي تشغل أصغر شركة بها ما لا يقل عن 400 عامل جزائري وأجنبي، بالإضافة إلى الشركات الإيطالية والروسية. وفي سياق متصل وقصد بعث الاستثمار، أولت الولاية عناية بالغة بهذا الملف الذي سيسمح بفتح العديد من المناطق الصناعية سعيا منها لتسهيل استقرار المستثمرين الوطنيين والأجانب الذين زاد إقبالهم على الولاية، خاصة خلال السنوات الأخيرة بفضل توفر عدة عوامل، نذكر من أهمها الاستقرار الأمني وكذا قرب الولاية من العاصمة لا سيما بعد فتح أجزاء هامة من الطريق السريع شرق - غرب، والذي اختصر المسافة الزمنية بين العاصمة وولاية عين الدفلى بأقل من ساعتين، وقد بلغ عدد طلبات الاستثمار أزيد من 200 طلب يجري العمل على تسهيل استقرارهم في الولاية، حيث هيأت الولاية كل الظروف، خاصة المادية منها لتذليل العقبات مهما كان نوعها لتسهيل وتحرير المبادرات، وستسمح هذه الاستثمارات بتوفير مناصب شغل هامة لشباب الولاية والولايات المجاورة. السكن برنامج الرئيس يغطي العجز ويتكفل بالشرائح الهشة سجل قطاع السكن بولاية عين الدفلى نموا هاما خاصة خلال السنوات الخمس الماضية، فقد أعطى الضوء الأخضر لكل المشاريع السكنية المبرمجة، حيث شهدت الفترة الممتدة من سنة 1999 إلى غاية 2008 تسجيل إنجاز 25824 مسكنا موزعة عبر عدة أنماط، نال من خلالها السكن الريفي حصة الأسد، والتي تفوق 10890 إعانة وزعت على غالبية سكان المناطق الريفية ضمن إستراتيجية خاصة بإعادة إعمار سكان الأرياف والمساهمة في استقرارهم أكثر، كما استفاد السكن الاجتماعي الايجاري من حصة تفوق 7748 وحدة سكنية و6225 وحدة سكنية في إطار السكن الاجتماعي التساهمي. وقد غطى برنامج رئيس الجمهورية الخاص بالسكن احتياجات الشرائح الهشة والأكثر احتياجا بالولاية وهو ما يفسر نسبة الطعون المنخفضة والتي لا تتعدى ال 14 بالمائة، ويعود ذلك إلى اعتماد نظام خاص بتوزيع السكنات يستهدف بالدرجة الأولى الطبقات البسيطة والمستحقة ضمن عمليات تحقيق معمقة، ولعل الخبرة التي اكتسبها والي ولاية عين الدفلى السيد عبد القادر قاضي خلال فترة ولايته المنتدبة على الدائرة الإدارية لباب الوادي بالعاصمة، ساهمت في تحديد المحتاجين والتوزيع العادل للسكنات. وفيما يتعلق بملف التعمير تم تسجيل إنجاز 16 مخططا رئيسيا للتهيئة العمرانية، و90 مخططا لشغل الأراضي عبر كامل بلديات الولاية، إلى جانب التهيئة الحضرية على مستوى 127 حيا بالولاية، أما فيما يتعلق بملف السكنات القديمة والقصديرية فقد تم تسجيل انجاز 3700 مسكن اجتماعي إيجاري مخصصة للقضاء على البناءات الهشة، منها 324 مسكنا لا تزال في طور الانجاز، وتتوزع هذه السكنات عبر المناطق الحضرية والريفية، وسيسمح البرنامج التكميلي لدعم النمو 2005 - 2009 بتسليم أكثر من 6100 وحدة سكنية موزعة عبر مختلف البرامج، وذلك قبل نهاية السنة الجارية، بالإضافة إلى الانتهاء من برنامج التهيئة الحضرية عبر 186 حيا ومجمعا سكنيا ب 36 بلدية من بلديات بالولاية. ورغم كل الجهود التي بذلت لحد الآن في إنجاز برنامج السكن، فإن الولاية لا تزال تسجل عجزا في نسبة شغل السكن والمقدرة ب 6.34 ساكن بكل مسكن، علما أن النسبة كانت تقدر ب 7.73 ساكن سنة 1999 وهذه نسبة مرتفعة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار البناءات القصديرية والتي يتجاوز عددها ال 15 ألف بناية. وقد استحسن سكان الولاية نسبة الربط العالية بالكهرباء والغاز الطبيعي والتي انتقلت خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2008 من 89.20 بالمائة إلى 98.02 بالمائة بالنسبة للكهرباء، علما أن المعدل الوطني حدد ب 96 بالمائة، فيما انتقل التزود بالغاز من 15 بالمائة إلى 31.12 بالمائة، وهي نسبة قريبة من المعدل الوطني المقدرة ب 36 بالمائة، كما تجدر الإشارة إلى إنجاز 801.7 كلم من شبكة الكهرباء الريفية لصالح 13632 منزلا إلى جانب 362.3 كلم من شبكة الغاز الطبيعي لفائدة 11626 مسكنا. انتعاش سوق الشغل وتراجع محسوس للبطالة شكل ملف التشغيل بأبعاده المتعلقة بمكافحة البطالة والفقر إحدى أهم انشغالات السلطات المحلية التي أولت اهتماما بالغا بهذا الملف على ضوء التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الولاية والناتجة عن الإصلاحات العميقة والجذرية والتي سمحت بانتعاش سوق الشغل، وتكشف الأرقام وحدها عن أهم الإنجازات التي تحققت في سوق الشغل، فالولاية التي كان يعاني شبابها من ضياع تام أصبحت اليوم تنوع في عروض الشغل لصالح أبناء المنطقة وحتى المناطق المجاورة، وكذا اليد العاملة الأجنبية التي تعمل بأهم المشاريع القاعدية، وكذا قطاع الطرقات، هذه الأخيرة التي وظفت لوحدها أزيد من 7000 شاب من الولاية، مما سمح بتراجع نسبة البطالة بالولاية من 29 بالمائة سنة 1999 إلى 12.25 بالمائة السنة الماضية. وسمحت مختلف الأجهزة العمومية لترقية الشغل والمتمثلة في العديد من البرامج في تقليص حجم البطالة خاصة خلال الخمس سنوات الماضية، وقد وصف والي الولاية البطالة بالولاية ب "المقنعة"، حيث أكد أن العديد من المستثمرين والمشاريع تبقى معطلة بسبب نقص اليد العاملة وإن كانت غير مؤهلة، لاسيما خلال مواسم الحصاد التي تستقطب العديد من الشباب، بالإضافة إلى تغاضي العديد من المؤسسات خاصة تلك التابعة للقطاع الخاص عن التصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويتبين من خلال الأرقام التي استقيناها من الولاية أن قطاع الفلاحة حاز على حصة الأسد بأزيد من 56.772 منصبا، أي بنسبة 37.55 بالمائة من اليد العاملة، وذلك يعود إلى الاهتمام المتميز والإعانات الهامة الممنوحة للفلاحين، فيما يحتل قطاع التجارة والخدمات المرتبة الثانية بنحو 42 ألف منصب شغل، أي ما نسبته 27.58 بالمائة، تليها الإدارة العمومية ب 30 ألف منصب، البناء والأشغال العمومية ب 17 ألف منصب والصناعات بنحو 5000 منصب، للعلم فقد حققت الولاية تقدما هاما فيما يخص عملية إنجاز "حصص 100 محل تجاري" للاستعمال المهني بكل بلدية، حيث أسفرت العملية عن توزيع 858 محل لفائدة 808 شبان. وعموما فإن سياسة ترقية التشغيل بالولاية سترتكز على ثلاث ميادين هامة هي الفلاحة، الصناعة والسياحة. التكوين المهني أكثر أجهزة الدولة فعالية بالولاية والتعليم في مواجهة الجهل والبطالة يشكل قطاع التكوين المهني بولاية عين الدفلى حلقة أساسية في سبيل منظومة تربوية متكاملة، من حيث الاستجابة للطلب الملح على التكوين من طرف فئة الشباب الموجودين في وضعية القطيعة مع جهاز التربية الوطنية، كما أنه يساهم في الاستجابة لطلب المرشحين الذين يوجدون في وضعية الترقب نحو أجهزة الشغل، سواء كانوا ممن يصطلح على تسميتهم "بطالو الشغل لأول مرة" أو كانوا ممن تعرضوا للتسريح ويأملون العودة إلى عالم الشغل بتغيير الاختصاص، أو أنهم ممن يرغبون في تحسين معارفهم لترقية وضعياتهم المهنية والاجتماعية المكتسبة. ويكتسي القطاع أهميته من كونه أكثر أجهزة الدولة فعالية بالولاية في مجال ترقية الشباب الباحث عن وظيفة أو عمل مأجور أو مربح حتى يكتسب مختلف المعارف النظرية والمهنية التي تمكنه من تعلم حرفة يدوية أو مهنية في ظل المعطيات الجديدة لسوق العمل التي تتميز خصوصا بتزايد وتيرة الاستثمار وتغير نمطه والتنافس على اليد العاملة المؤهلة، وقد ساهم القطاع في رد الاعتبار للحرف التقليدية والمهن اليدوية المشغلة مثل مهن البناء والفلاحة. وبالنظر إلى الأهمية التي أحيط قطاع التكوين المهني بها عرف هذا الأخير خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2008 تطورات كبيرة خاصة من حيث قدرات استيعابه، حيث أصبح يتوزع الآن في كامل تراب الولاية عبر 30 هيكلا ما بين معهد ومراكز عديدة وملحقات منتشرة في الوسط الحضري والريفي دون احتساب المدارس الخاصة. وإن كانت النسبة الإجمالية للاستيعاب خلال سنة 1999 لم تتجاوز 4350 منصبا تكوينيا، فإنها حاليا تبلغ قرابة 5400 منصب تكويني، ورغم أن هذه الإمكانيات ليست مستغلة في أقصاها إلا أنه يمكن إدماج أكثر من 6000 متربص سنويا في مختلف المستويات، أما التطور الأكبر فإنه يتجلى في عدد المتربصين في حد ذاته، والذي قفز من 2832 متربصا سنة 1999 إلى أزيد من عشرة آلاف متربص ومتمهن، يضاف إليها أكثر من 1000 منصب تكوين في طور الإنجاز، على أن يرتفع عدد المتربصين إلى نحو 13 ألف متربص سنة 2013، خاصة مع توقع استلام هياكل جديدة منها معهد وطني متخصص في التكوين المهني آخر يكون مقره في عاصمة الولاية، وكذا برامج توسيع ملحقات إلى مراكز للتكوين المهني. ولا بأس أن نذكر أن التطور الذي يشهده قطاع البناء والفلاحة خلال السنوات الأخيرة مرده إلى التكوين المكثف في هذين الاختصاصين مما سمح بتشكيل رصيد هام من اليد العاملة المؤهلة. والحديث عن قطاع التعليم يأخذنا إلى الحديث عن أهم الانجازات المحققة والتي ساهمت في زيادة معدلات التمدرس على مستوى كل الفئات والتي انتقلت من 79.17 سنة 1999 إلى 95 بالمائة سنة 2008 وهذا يفوق المعدل الوطني المحدد ب 94.07 بالمائة، كما انتقلت نسبة تمدرس الفتيات في الطورين الأول والثاني من 45.88 سنة 1999 إلى 47.33 السنة الماضية، أما بالنسبة لنسبة شغل الأقسام في الطورين الأول والثاني فقد تراجعت من 45.95 بالمائة إلى 33.92 بالمائة، وهو أقل بكثير من المعدل الوطني المقدر ب 40 بالمائة. وقد ساهمت جملة الانجازات التي تسلمها قطاع التربية في تحصيل نتائج إيجابية، بحيث شهدت الفترة الممتدة من 1999 إلى 2008 إنجاز تسع ثانويات، 23 إكمالية و67 مدرسة ابتدائية، وهو ما يعطينا 290 قسما، بالإضافة إلى 47 مطعما مدرسيا، 12 إقامة نصف داخلية و8 قاعات رياضة. الفلاحة احتلال الريادة من حيث الإنتاج والتشغيل استفاد القطاع الفلاحي بولاية عين الدفلى خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى غاية 2008 من دعم الدولة لكل البرامج بمبلغ إجمالي يقدر ب 10.72 ملايير دينار، أي ما يعادل 1.34 مليار دينار جزائري سنويا من ميزانية الدولة والصناديق المختلفة، وبلغ مجموع الاستهلاك 91.5 من اعتمادي الدفع، وقد ترجمت هذه المبالغ في جملة المشاريع المنتجة بتسجيل اعتماد 8837 مشروعا استثماريا واعتماد 7212 مشروعا منجزا، أي ما يعادل 81.60 بالمائة، وقد ساهمت هذه المشاريع في تقليص نسبة البطالة بتشغيل ما يعادل 58 بالمائة من اليد العاملة الإجمالية، بينما كانت هذه النسبة لا تتجاوز 28 بالمائة بداية سنة 2000، ليصل حجم اليد العاملة بداية السنة الماضية إلى أزيد من 86 ألف منصب، وهذا يعني أنه تم إنشاء 46 ألف منصب جديد بين الفترتين الممتدة بين 2000 و2008 جراء البرامج التنموية المختلفة التي ساهمت بصفة معتبرة في تقليص نسبة البطالة التي انتقلت من 33 بالمائة إلى 12 بالمائة. وقد انعكست المساعدات والدعم الممنوح من قبل الدولة على الحجم الإنتاجي الذي عرف ارتفاعا كبيرا، علما أن الحجم المتوسط السنوي للإنتاج يتراوح ما بين 700 ألف طن إلى 830 ألف طن، وقد انتقلت قيمة الانتهاج الفلاحي العام من 14 مليار دينار في الموسم 1999 / 2000 إلى 40 مليار دينار خلال 2007 / 2008 وهذا يعني أن كل 01 دينار استثمار يقابله 03 دنانير توفير للثروة . ولم يستثن إجراء الدعم حتى العائلات التي تضررت جراء الإرهاب، وذلك في إطار برنامج دعم وإعادة تأهيل المناطق المتضررة جراء العمليات الإرهابية، حيث بلغ عدد البلديات المعنية سبعة، فيما يتجاوز عدد الأسر المستفيدة من الدعم ال500 أسرة بمبلغ إجمالي يفوق ال 44 مليون دينار. وإجمالا فخلال سبع سنوات كاملة من انطلاق المخطط الوطني للتنمية الفلاحية والريفية الذي ارتكز أساسا على إعادة تأهيل المستثمرات الفلاحية (ما يقارب 4000 مستثمرة فلاحية أصبحت مؤهلة) والثروات الإنتاجية المتوفرة تم تسجيل مؤشرات اقتصادية إيجابية على كل المستويات، منها تزايد في حجم المنتجات الفلاحية بنسبة 69 بالمائة من سنة 2000 إلى 2008، أي ما يقارب 10 بالمائة سنويا، ولعل احتلال الولاية للمرتبة الأولى من حيث إنتاج مادة البطاطس خير دليل على المجهودات المبذولة في القطاع، علما أن الولاية تغطي ثلث الإنتاج الوطني من هذه المادة، أي ما نسبته 33 بالمائة، وتنوي الولاية المحافظة على الريادة في إنتاج البطاطس مع التركيز على بعض المنتجات الأخرى كالحمضيات، الحبوب والحليب. أما قطاع الصيد البحري والموارد الصيدية فقد عانى فيما مضى من التهميش وعدم الاستقرار قبل أن يحظى بعد 1999 باهتمام خاص على اعتبار أن عين الدفلى من الولايات الداخلية التي تعتبر بوابة كبيرة لتطبيق مختلف الإستراتيجيات لما تمتاز وتزخر به من سدود ومنابع للمياه السطحية والجوفية، وكثرة مستثمراتها الفلاحية، وكذا إمكانية فتح مجالات الاستثمار في قطاع الصيد القاري وتربية المائيات والاستثمارات المكملة، وذلك للمساهمة في رفع الإنتاج والسماح للمواطن باستهلاك أسماك ذات نوعية جيدة وبأثمان معقولة، ورفع معدل الاستهلاك السنوي، وقد تمت الاستعانة بمكتب دراسات ألماني للشروع في عمليات الزرع لصغار السمك، والذي أعطى نتائج جد ايجابية تجلت خصوصا في الاهتمام الذي أصبح يحظى به الغذاء السمكي بالولاية وزيادة الطلب عليه، علما أن الولاية تحصي ما يقارب ال 100 بائع سمك، ويجري التفكير حاليا في إنشاء سوق كبير للسمك. تطور في الخدمات الصحية وزيادة في عدد الأطباء المختصين وفيما يخص القطاع الصحي على مستوى الولاية، فالملاحظ هو التطور المعتبر في الخدمات الصحية من خلال ارتفاع عدد قاعات العلاج، حيث انتقل العدد من 70 قاعة سنة 1999 إلى أزيد من 120 قاعة سنة 2008، مع تسجيل قاعات أخرى في طور الإنجاز مع تسجيل تغطية صحية بمعدل 341 طبيبا لكل 2238 ساكنا، أما الأطباء الاختصاصيون فقد زاد عددهم بأكثر من الضعف، بحيث بلغ عددهم 162 طبيبا السنة الماضية ولم يكن عددهم يتجاوز ال60 طبيبا مختصا بداية العشرية الحالية. السياحة تنفض غبار الإهمال وتتطلع لمستقبل واعد يحق لولاية عين الدفلى أن تتموقع كمقصد سياحي رائد ضمن قطب الامتياز السياحي "شمال وسط" والاستفادة من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المنتظرة من ذلك، وهذا بالنظر إلى الإمكانيات العديدة التي تتوفر عليها، سواء من حيث ثراء مواردها السياحية وتنوعها، أو قربها من الأسواق الموفدة أو من حيث وجود طلب داخلي يتميز بنموه المستمر والمتزايد رغم أنها لم تصل بعد إلى حجم يتناسب والمقومات السياحية الموجودة بالولاية بكافة صورها من سياحة جبلية وبيئية وسياحة ثقافية وتاريخية إلى سياحة حموية ورياضية. ورغم أن القطاع لم يشهد النقلة النوعية المرجوة منه، إلا أنه حظي خلال السنوات الماضية باهتمام محتشم من قبل القطاع الخاص الذي استثمر في بناء ست مؤسسات فندقية بطاقة استيعاب تفوق ال300 سرير، مقابل مؤسسة عمومية واحدة تستوعب قرابة ال800 سرير والمتمثلة في مؤسسة التسيير الحموي لحمام ريغة. كما تشكل السياحة الثقافية والشعائرية إحدى أهم المقومات، وذلك عبر إدماج المعالم الأثرية والتاريخية التي تزخر بها المنطقة والتي يمكن اقتراحها كمسلك سياحي مثل مصنع الأسلحة للأمير عبد القادر، ودار الأمير عبد القادر، ومنارة مسجد البطحاء والأسوار بمدينة مليانة، والمعالم الشعائرية كسيدي احمد بن يوسف بمليانة وسيدي بن شرقي بالعبادية وزاوية الشيخ الفقيه بتي بركانين، وغيرها ... روبورتاج: جميلة أقنتيل / تصوير: مصطفى. ع