للحلفاء نصيب من حروب ترامب، هكذا هي أمريكا، لا ترى إلا نفسها، ولا تقيم وزنا لحليف أو صديق إلا بالقدر الذي يضمن مصالحها وتفوقها على الجميع، وقد دأبت على هذا منذ أن خرجت إلى العالم كقوة عظمى قبل أكثر من سبعين سنة، وهي اليوم تتخلى عن كل مظاهر اللباقة التي حرص عليها أسلاف ترامب. في الساعة صفر من الفاتح من جوان أصبحت الرسوم التي فرضتها واشنطن على واردات الصلب والألمينيوم القادمة من أوروبا وكندا والمكسيك سارية المفعول، وقبل ساعات فقط من ذلك تم الإعلان رسميا عن القرار الذي اتخذ مطلع السنة، وأجل فرضه على الحلفاء ستة أشهر. لم يفلح توسل أوروبا التي انتقل قادتها لزيارة ترامب محاولين إقناعه، ولم تفد التنازلات التي جرى تقديمها في شيء، فالرئيس الأمريكي عازم على تجسيد المبدأ الذي جعله شعارا لحملته الانتخابية "أمريكا أولا"، وهو يستعمل كل القوة، ودون تحفظ، من أجل جعل أمريكا عظيمة مجددا كما وعد، ولعل أوروبا فهمت جيدا أن أمريكا الحالية لا يمكن محاججتها، أو إقناع النخبة الحاكمة فيها، فهي لا ترك للآخرين إلا الاختيار بين الاستسلام أو المقاومة. يتصرف ترامب بوحي من هواجس قديمة بفقدان أمريكا لمكانتها كقوة عظمى وحيدة تهيمن على مقدرات العالم وتتحكم بمصيره، وقد أثار الأمريكيون هذا النقاش قد أكثر من أربعة عقود، ولا يكاد يمر يوم دون أن تتصدر الإحصاءات التي تؤكد تراجع حصص أمريكا في التجارة العالمية، وفي الاختراعات، والتنبؤات التي تضع الاقتصاد الأمريكي خلف الصين بعد سنوات، المشهد في أمريكا. وفي تلك الإحصاءات كان ينظر ترامب وهو يعد بجعل أمريكا عظيمة مجددا وفوق الجميع. السؤال هو كيف لترامب أن يفعل ذلك؟ والإجابة تصوغها اليوم القرارات المتخذة: بكل ما أوتيت أمريكا من قوة، وبالحرب إذا لزم الأمر. أمريكا تعلن الحرب على الجميع من أجل البقاء فوق الجميع، بالسلاح والتجارة والدولار، وستكون السنوات القادمة سنوات الاستعمال المفرط واللاأخلاقي للقوة الأمريكية الطاغية، وستسقط قواعد القانون الدولي، ويتم الدوس على كل الاتفاقيات التي قد تراها واشنطن عائقا في طريقها لإعادة بناء قوتها واستمرارا هيمنتها. أمريكا امبراطورية عظيمة، والتاريخ يخبرنا أن الامبراطوريات تصير أكثر خطورة وهي تترنح، وعلى العالم أن يختار بين مقاومة أمريكا أو الاستسلام لها وهي تقود العالم نحو الهاوية.