المواجهة الشعبية العربية مع أمريكا بدأت بالفعل، قد تنجح واشنطن في الالتفاف على انتفاضة الشعب المصري، وقد تجهض ثورة تونس، وقد تقدم النصائح لبقية حلفائها في أنظمة عربية أخرى من أجل منع انتقال عدوى الثورة إلى بلدان أخرى، لكن المؤكد أن العصر الأمريكي بدأ في الأفول. لم تعد هناك حاجة لانقلابات عسكرية، ولا أحد ينتظر ميلاد تنظيمات الضباط الأحرار، ولا زعماء يقودون الأمة، بل هو الشارع الذي يضع المطالب بوضوح ويجعلها بسيطة بساطة القواعد الديمقراطية التي يتغنى بها الغرب ويدعي أنه يكافح من أجل نشرها في كل أنحاء العالم، فالتكنولوجيا ساعدت على عولمة القيم الديمقراطية، وأمريكا الآن تجد نفسها في موقف المقاوم لحركة التاريخ تسعى إلى ضبط هذا النزوع إلى الحرية وتقاتل من أجل أن تكون ديمقراطية العرب مقتصرة على الواجهة لكن هيهات. لعقود آمن الغرب بقاعدة تقول إن العرب غير مؤهلين للديمقراطية وأنهم مجبولون على الخضوع للقهر والأنظمة الاستبدادية، ولم يكن الأمر مجرد نظرية عنصرية آمن بها بعض المفكرين العنصريين بل كانت سياسة رسمية لم تخفها الإدارات الأمريكية والحكومات الأوروبية، وقد غفل هؤلاء جميعا عن متابعة التطورات الحاصلة في المجتمع ومواكبتها تماما مثلما غفلت عن ذلك الأنظمة المستبدة التي تلقى الدعم اللامحدود من قبل أمريكا وأوروبا، والآن تبدو محاولات التحكم في التغيير يائسة والتنازلات التي تقدمها الأنظمة والمطالب التي يقدمها الغرب، كلها تبدو وقد تجاوزتها الأحداث. قد لا يسمح الأمريكيون والإسرائيليون للشعب المصري بإعادة بلده إلى موقعها الصحيح كقوة عربية مؤثرة، لكن المؤكد أن ما يجري الآن يمثل ضربة قاسية للمصالح الأمريكية على المدى البعيد، ومن الآن بدأت عملية إعادة صياغة التوازنات الإقليمية والدولية، وهذه المرة لن تجد أمريكا طرفا تضغط عليه، لا زعماء لا أحزاب ولا حركة ضباط أحرار، وسيتعين على أوباما أن يعيد قراءة العالم الإسلامي قبل أن يتوجه إلى المسلمين بخطاب آخر من القاهرة التي اختارها أول مرة لإطلاق وعود لم تنجز.