عندما يصبح الشعب لا يملك شيئا يخسره، يكون قد امتلك »أدوات إنجاح ثورة الياسمين« وربما تصديرها أيضا. ليس من باب المبالغة القول أن ما يحدث في تونس حاليا هو أهم حدث في الوطن العربي بعد حركة الإستقلالات الوطنية باستثناء الحروب العربية الإسرائيلية المختلفة. لقد اصطلح على تسمية انتفاضة تونس ضد الاستبداد والدكتاتورية ب»ثورة الياسمين«، وقد حققت لحد الآن نتائج مبهرة، فلأول مرة في تاريخ الوطن العربي يفر رئيس مستبد إلى خارج الوطن هاربا من شعبه. وجاءت ثورة الياسمين في وقت حساس تمر به الشعوب العربية، ووضع تعيس تجتازه الأمة العربية جميعها، نتيجة حكم أنظمة عربية غير متبصرة، فإلى جانب الاستبداد والتسلط الداخلي ومسألة توريث الحكم، وإشكاليات الفقر والبطالة والجوع وقلة السكن والأمن على الأرواح والممتلكات، فإن الأنظمة العربية أدت إلى احتلال العراق، والتوتر في لبنان، وانقسام السودان، وانقسام فلسطيني داخلي واستئساد إسرائيل على الشعوب والأنظمة معا، وتهديد وحدة العديد من الدول بإثارة الفتن الطائفية واللغوية والعرقية والدينية. ثورة الياسمين جاءت في وقت يفضل فيه الناس »الهربة والحرقة« على العيش تحت سيطرة هذه الأنظمة، وقت يلجأ فيه الناس إلى حرق أنفسهم بسبب الآذان الصماء التي تواجه بها معظم الحكومات العربية شعوبها.. في هذا الوقت جاءت ثورة الياسمين تحمل بارقة أمل نحو التغيير، ليس في تونس فحسب، بل حتى في باقي البلدان العربية أيضا. ثورة كهذه ، من الصعب للغاية أن تنجح، لأن الوضع الإقليمي والدولي معاد جدا، فالتغيير الذي تسعى إليه الشعوب، ترفضه الأنظمة الإقليمية، لأنها مستفيدة من الوضع من جهة، والتغيير يفسد عليها أجندتها الداخلية كقضية التوريث من جهة أخرى، كما ترفضه الدول الغربية أيضا، لأنها تريد وطنا عربيا تابعا لها وسوقا لمنتجاتها وبدون هوية ثقافية. وما لم يتم الاحتضان الشعبي لثورة الياسمين، فإن الأشواك الضارة ستحيط بها وتجهضها، إنها »الثورة المضادة«.. ثورة الأشواك. لكن الشعب التونسي واع على الأقل بهذه الإشكالية، وهو ما جعله يواصل المسيرات الاحتجاجية ضد حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها الغنوشي، باعتبارها أول الأشواك في وجه ثورة الياسمين. إن ثورة الياسمين المؤطرة من قبل النخبة التونسية من المحامين والأطباء والجامعيين والنقابيين، كانت ثورة عفوية بكل الدلائل، فلو لم تكن عفوية لكانت قد حضرت لمرحلة ما بعد الإطاحة ببن علي، من رجال وبرامج، لكن غياب التحضير لما بعد سقوط بن علي، هو الذي فتح الباب أمام » الأشواك الضارة « للالتفاف بالياسمين. لقد حقق التوانسة أهم شيء بثورتهم الياسمينية، إنه »قتل الخوف« من جهة، و»قتل الموت« بمعنى حتى الموت لم تعد تخيف، فعندما نشاهد على شاشات التلفاز ذلك الكهل الذي كشف صدره للشرطة ويقول لهم أطلقوا النار إن شئتم .. لا يمكن تفسير هذا السلوك إلا ب »وفاة الموت«. عندا يصبح الشعب لا يملك شيئا يخسره..يكون قد امتلك »أدوات إنجاح ثور الياسمين« وربما تصديرها أيضا..لأن الثورات لديها القابلية للتصدير كنموذج..أو لم يتم تصدير ثورات أخرى قبل ثورة الياسمين.؟