تكتسي الرسالة التي وجهها آيت أحمد إلى دورة المجلس الوطني لجبهة القوى الاشتراكية أهمية كبيرة من حيث أنها تساهم في رسم معالم التغيير السلمي في الجزائر وتحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي من دون عنف أو فوضى وإراقة للدماء. وتزيد أهمية هذه الرسالة في كونها صادرة عن زعيم حزب يصنف كراديكالي في معارضته للسلطة، حزب لا أحد يشك في طبيعة معارضته، أو في إيمانه بالأطروحات التي يدافع عنها منذ التسعينات، بل منذ أن تأسس في عهد الأحادية. آيت أحد أثنى كثيرا عما أسماه »عبقرية الشعب الجزائري« في التعاطي مع عدوى الاحتجاجات التي تجتاح العالم العربي. وفيما تحدث عن مبادرة للانتقال الديمقراطي سوف يعلن عنها خلال الأيام المقبلة، حرص زعيم الأفافاس على دعوة الجزائريين إلى الاستفادة مما يسمى ب »الثورات العربية« من دون تقليدها وتبني الأسلوب السلس المتمثل في التغيير السلمي الهادف بعيدا عن سفك الدمار وتدمير الذات، وهي كلها إشارات إلى بعض التجارب التي لا يجوز تقليدها، خاصة التجربة الليبية التي أصبحت تهدد ليبيا بأكملها بأن تتحول إلى قطع متناثرة ومتناحرة، أو ربما جثة هامدة تدوسها أقدام الاستعمار الغربي. وبغض النظر عن موقف كل واحد منا إلى حزب الأفافاس أو حتى زعيمه وإلى كل الأطروحات التي يتبناها هذا الحزب، يجب أن نعترف بان الأفافاس قد رسم خارطة طريق أخلاقية وسياسية محترمة، تنطلق من الوطنية الصافية، قد تجنب الجزائر السقوط في مصيدة الاحتجاجات العنيفة التي قد لا تأتي بالحرية والديمقراطية وقد تقضي حتى على المنحازات المحققة في هذا الجانب وتضيع على الشعوب استقلالها وعلى الدول سيادتها. التغيير السلمي تحدث عنه الكثير قبل حسين آيت أحمد، فالتحذير من مغبة الانسياق وراء العنف وتقليد »موضة« »الثورات العربية« كما يسميها جانب من الإعلام العربي، لم يتوقف منذ اندلاع شرارة العنف في تونس قبل أن ينتقل هذا العنف إلى مصر ويتفاقم ويزحف على اليمن ويوقع المجازر بهذا البلد الذي يتجاوز حجم السلاح فيه رغيف الخبز، ويدق أبواب البحرين ويوقع هذا البلد المجهري في ورطة الفتنة الطائفية، ويكتسح الجارة ليبيا ويحولها إلى أشبه بالجثة الهامدة، مهددة بالاستعمار في شكله التقليدي البشع. فما معنى أن تقول هلاري كلينتون من تونس بأن رفع حالة الطوارئ غير كاف لتكريس الديمقراطية والحرية والاستجابة لتطلعات الجزائريين، غير شيء واحد وهو أن الجزائر معنية هي الأخرى بعدوى العنف التي يبدو أنها تنتقل من بلد إلى آخر بفعل فاعل، وتتوسع رقعتها تحت رعاية واشنطن وبعض العواصمالغربية، خصوصا باريس ولندن، وما دام الأمر كذلك فإن السبيل الوحيد هو أن تنتبه المعارضة وكل القوى التي تريد ركوب موجة التغيير إلى ما يحاك ضد عدد من الدول العربية ومن ضمنها الجزائر، وتتفطن إلى خطورة المغامرة بالسلم والاستقرار والعمل من أجل إقناع المواطنين بما سينجر عنه أي انجذاب نحو العنف وعدم الاكتفاء فقط بتذكير الناس بسنوات التسعينات التي أهلكت الحرث والنسل وأغرقت البلد في حمام من الدماء لا يزال يدفع فاتورته إلى حد الساعة. لكن وفي المقابل لابد من تحريك ورشات الإصلاح السياسي والدستوري لكي تواكب الجهود التي تبذل على طريق تهدئة الجبهة الاجتماعية من منطلق الحقيقة القائلة بأن المسكنات الاقتصادية أو الاجتماعية قد تعتبر ضرورية لكنها غير كافية لتجنيب البلاد ما لا يحمد عقباه. وعليه، يبدو التعديل الدستوري الذي يجري الحديث عنه في الكواليس انطلاقا من لقاءات قيل أنها جرت بين الرئيس ومسؤولي عدد من المؤسسات الدستورية، جد هام وقد يقدم الإجابة المناسبة لمطالب التغيير السلمي والسلس الذي تحدث عنه زعيم الأفافاس، لكن من المهم أن نشير هنا بأن التغيير لا يعني بأن تتنكر البلاد لكل ما بنته منذ الاستقلال، ولا تعني أيضا التسرع في إدخال البلاد في مسار سياسي جديد وفي دوامة أخرى من الاستحقاقات قد تضعف الدولة أو توفر أسباب الانفجار العنيف.