أضحى التغيير مطلبا تتلاقى حوله جميع الشعوب العربية، وتصطف وراءه النخب. وإذا كان صحيحا أن الواقع العربي المتردي في أكثر من دولة يفرض حقيقة قلب الأوضاع رأسا على عقب من أجل إعادة ترتيب الأمور وفقا لإرادة الشعوب، فإنه في الكثير من الأحيان يكون مطلب التغيير غامضا، بل قد يستغل لضرب الشعوب نفسها وجرها نحو خيارات تخدم قوى لفظها الشعب في أكثر من مناسبة، وهذه المسألة تصدق إلى حد ما على ما هو حاصل في الجزائر هذه الأيام. فلنتساءل مثلا عن طبيعة التغيير الذي تنشده الأغلبية في الجزائر، وما هي الأهداف التي تريد بلوغها بعض القوى السياسية المعارضة. فهل المشكل في طبيعة الممارسة الديمقراطية، وفي بعض الخيارات الإستراتيجية وحتى في مسألة المشاركة السياسية، أم أن الأمر يتعلق بمحو هذا الطرف أو ذاك من الخارطة السياسية، وإيجاد قواعد عمل سياسية جديدة تتوافق مع رغبات البعض، لمراجعة بعض الثوابت وحتى التخلي عنها، فما الذي يراد مثلا من التعديل الدستوري، هل البحث عن نظام يوافق طبيعة الجزائر، ومن ثمة تحقيق المزيد من الحريات ومن الديمقراطية، أم إعادة النظر في كل ما تم تحقيقه على طريق بناء الدولة وتثبيت دعائم الاستقرار السياسي في البلاد؟ قبل الإجابة عن بعض الإشكاليات المرتبطة بالتغيير المنشود، تجدر الإشارة إلى أن خطاب السلطة الذي يتحدث عن فروقات جوهرية بين الوضع في الجزائر وفي بعض الدول العربية، على غرار اليمن وليبيا، وسوريا، وقبلهم مصر وتونس وحتى البحرين، فيه الكثير من الحقيقة، فهل يستطيع أي كان أن ينكر بأن الجزائر لا تعاني من الحكام الذين يبحثون عن الخلود في الرئاسة، أو الذين يسعون حتى لتوريث الحكم لأبنائهم، فالجزائر عرفت منذ استقلالها عدد كبير من الرؤساء، بل تعاقب على كرسي الرئاسة فيها منذ اعتلاء جارنا القذافي زمام السلطة في ليبيا خمسة رؤساء، ولا أحد من هؤلاء، بغض النظر عن موقفنا من فترة حكمه، قال »أنا العز وأنا التاريخ« أو أشعل البلاد نارا من أجل أن يظل على كرسي الرئاسة، بل بعضهم رمى المنشفة من الوهلة الأولى حقنا للدماء، وهذا هو حال الرئيس السبق الشاذلي بن جديد وحال الرئيس اليمين زروال أيضا. لا ندعي بأن حال الجزائر لا يتطلب التغيير وأن الممارسة الديمقراطية هي في أبهى صورها لأن ذلك من دون شك وبكل بساطة غير صحيح، فالتغيير هو أكثر من ضرورة وإجراء عملية إصلاح شاملة تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى لتجاوز الكثير من النقائص المتعلقة بالممارسة السياسية والمرتبطة أيضا بضبط قواعد العمل على جميع المستويات وإعادة الاعتبار للمسؤولية في ظل استشراء الفساد الذي يواكب عادة الغلق السياسي والإعلامي وتبعية القضاء للجهاز التنفيذي وتخلي الجهاز التشريعي عن وظيفته السياسية. لكن التغيير المنشود يجب أن يتم وفق قواعد واضحة لضمان تحقيق أهداف الإصلاح من دون الوقوع في فخ التفكك والفتن، التي لا تزال تأكل بعض الدول العربية، التي انتقلت على ما يبدو بفعل ما اصطلح على تسميتها بالثورة إلى حالة اللادولة. فما معنى أن تطلب بعض القوى السياسية أو بعض الشخصيات بمجلس تأسيسي، هل البلاد بحاجة فعلا إلى مثل هذا الخيار الذي لا يكون عادة إلا بعد الثورات والانقلابات، وهل نحن بحاجة إلى مسح كل ما بني منذ الاستقلال أم تدارك النقائص وإصلاح ما يتوجب إصلاحه في إطار توسيع الحريات والمشاركة السياسية وتكريس الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، وما معنى حل المجالس المنتخبة في هذا الظرف وهل الإصلاح يقتضي ترتيب قواعد العمل السياسي من أجل دخول استحقاقات أكثر نزاهة في المستقبل أم هتك المؤسسات الحالية وإدخال البلاد في دوامة من الفوضى مجددا؟ المطلوب هو أن تعي المعارضة وبعض القوى السياسية التي تلعب في جميع الميادين بأن التغيير المنشود لا يجب أن يكون مرادفا للفوضى والعودة إلى نقطة الصفر أو الانتقام من هذا الحزب أو ذاك تحت عناوين مغلوطة، لكن على السلطة أيضا أن تدرك بان التغيير لا يجب أن يظل مجرد شعار لكسب الوقت، فلا بد من توضيح طبيعة هذا التغيير وإشراك الجميع في صناعته.