بداية، يجب أن نتفق على أنه من حق المواطنين أن يعبروا عن آرائهم وأن تسمع أصواتهم، للمطالبة بحقوقهم ومواجهة الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، إلا أن هناك سؤالا مركزيا، مطروحا منذ أسابيع، على مستوى المواطنين وكذا على مستوى المؤسسات الرسمية، يقول: هل يتكرر في الجزائر ما حدث ويحدث في أكثر من بلد عربي؟ ليس هنا المجال للمقارنة وتعداد الاختلافات وتنوع القراءات ولا لإبراز مميزات كل بلد، لكن الأكيد هو أن الانتفاضات أو الثورات أو الأحداث، تراعي ظروف كل بلد ومستوى تطوره الاجتماعي والثقافي والعلمي، كما تأخذ في الاعتبار مستوى التطور السياسي وقوة النظام القائم ومدى شعبيته وكذا دور الأحزاب وقدرة المعارضة على العمل الميداني الفعلي. إن ما حدث في هذه الدولة العربية أو تلك يمكن أن يحدث في أي دولة عربية أخرى، بحكم بعض السمات أو القواسم المشتركة، لذا فإن تحصين بلادنا في وجه هذه »العدوى« التي ألغت الحدود وتجاوزت الحكومات، يكمن في التسريع في عملية الإصلاحات السياسية، ذلك أن كل تباطؤ أو تماطل أو مراهنة على الوقت، سيكون الطريق الأسرع لانطلاق الشرارة واتساع دائرة العدوى. قد يقال- وقد قيل كثيرا- إن »الجزائر ليست في أزمة سياسية« وأنها ليست تونس ولا تشبه مصر ولا ليبيا ولا اليمن، ولنا أن نقول إن بلادنا »قد اكتوت قبل سنوات بنار الفتنة ونالت نصيبها من الاضطرابات«، وقد نضيف – كما يرى البعض- بأن ما يحدث في الوطن العربي هو »مؤامرة« مدبرة من هذه الجهة أو تلك. إذن، سواء كانت هذه الأحداث طبيعية ولدتها ظروف موضوعية أو كانت مؤامرة من تدبير فاعل، فماذا نحن فاعلون؟.. على افتراض أن ليس هناك أزمة سياسية في بلادنا، فهل ذلك يعني أن نتجمد فيما نحن فيه، في حين أن سنة الحياة تؤكد بأن الإصلاح عملية مستمرة ومتجددة، لا تتوقف أبدا. إن الشعب يرفض الانزلاق إلى فتنة جديدة، وهو على درجة كبيرة من الوعي، بحيث يعمل عل تجنبها لمعرفته بأخطارها على أمنه واستقرار بلاده، لكن المحظور هو تجاهل نبض الشارع والتأخر في الرد على مطالب الشعب، علما بأن هناك من يسعى إلى التحريض والدفع بالأمور إلى خطر الفوضى نحو المجهول،لذلك يتوجب علينا النظر للأمر بطريقة مختلفة، لنبحث عن الدواء الشافي وليس المسكن للألم. وفي تقديرنا فإن الحل ليس صعبا أو تعجيزيا، المطلوب هو العمل على إزالة حالة الاحتقان وعودة الأمل ودعم الحريات والديمقراطية وتحقيق العدل الاجتماعي، وكل ذلك هو في مصلحة الدولة، القوية بمواطنيها الأقوياء بكرامتهم وحريتهم وانتمائهم لوطنهم. إننا فعلا في لحظة تاريخية حاسمة، عنوانها يتحدد في ضرورة إحداث إصلاح جذري وعميق ومراجعة السياسات المطبقة والعودة للثوابت التي تحفظ كيان الوطن ودوره وتحقق رؤية وطنية، تنطلق من وعي كامل بالخطر المحدق وحرص على الإصلاح من الداخل وسعي لتحقيق المطالب بأساليب مشروعة بعيدا عن لغة العنف والتهديد. ونعود إلى السؤال الذي طرحناه كذا مرة، وهو يقول: هل يحدث في الجزائر ما يحدث في أكثر من دولة عربية؟.. الإجابة التي نسمعها عادة ما تركز على الخصوصيات الموجودة في بلادنا وعدم توافر نفس الشروط التي ساهمت في اندلاع الثورات الشعبية هناك، لكن كل تلك الإجابات تبدو قاصرة، لا تراعي حقائق المجتمع ولا منطق التاريخ والجغرافيا ولا خصائص الوضع إقليميا ودوليا. إن أهل الحكم في بلادنا مدعوون إلى أن يتجاوزوا ما يمكن أن نسميه »صمامات الأمان"« التي استخدموا في كل مرة لدرء كل انفلات اجتماعي وسياسي، ذلك أن الخريطة النفسية والاجتماعية والاقتصادية قد تغيرت تغيرا جذريا، بحيث برزت أجيال جديدة وولدت تصورات قد لا تكون لها علاقة بين جيل الاستقلال والجيل الذي يتحرك اليوم. لذلك كله، فإن الوضع الراهن لا يجب أن يستمر، بل إن الإصلاح أمر لا مفر منه ولا بديل عنه، إذا أردنا لبلادنا أن تدرأ عن نفسها مزيدا من الهزات والويلات. وسواء كانت هناك أزمة سياسية أم لا، فإن كل المؤشرات تؤكد أن بلادنا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأزمات المجتمعية وأنها بحاجة إلى إصلاحات سياسية، ترسي دعائم دولة القانون، تعيد الاعتبار لمواطنة المواطن وتقر بحقوقه وحرياته الأساسية، تسهم في إعادة هيبة الدولة، التي تكون لكل المواطنين وليس للبعض دون البعض، تكرس سلطة الشعب وتسد الطريق أمام عنف الشارع، الذي سيكون مكلفا بكل تأكيد. " أسوأ أهل السياسة، الذين يكذبون ويعرفون أنهم يكذبون.."