لم يعد النزاع المسلح في ليبيا بعد أكثر شهرين من اندلاعه مجرد أزمة داخلية بين النظام بقيادة العقيد معمر القذافي والمعارضة المسلحة بقيادة ما يسمى المجلس الوطني الانتقالي ومن ورائه الحلف الأطلسي، وإنما أضحت »الأزمة« أداة ضغط على دول الجوار عموما والجزائر خصوصا، فما من يوم يمر إلا وخرجت أصوات تحاول جاهدة إقحام الجزائر في النزاع الدائر. منذ اللحظات الأولى التي تحولت فيها الاحتجاجات السلمية للشعب الليبي إلى نزاع مسلح بين نظام القذافي الرافض الاستجابة لمطالب التغيير وبين المجلس الوطني الانتقالي المدعوم من قبل الحلف الأطلسي والدول الغربية وبعض الدول العربية، تحركت الآلة الدعائية للمجلس الانتقالي باتجاه الجزائر متهمة إياها في بادئ الأمر بنقل مرتزقة من إفريقيا وأوروبا الشرقية إلى ليبيا للقتال إلى جانب القذافي، وكانت هذه التهم التي تجاوزت كل الأعراف الدبلوماسية ومقتضيات الجيرة محل تفنيد من قبل السلطات الجزائرية في العديد من المناسبات، ومع ذلك استمر المجلس الانتقالي بقيادة مصطفى عبد الجليل والناطق الرسمي للمجلس عبد الحفيظ غوقة في كيل الاتهامات للجارة الجزائر، وقد اتضح حينها أن الموقف الجزائري الحيادي الرافض للتدخل في الشأن الداخلي الليبي لم يلق الترحيب من قبل قادة المجلس الانتقالي الذين كانوا يراهنون على دعم الجزائر لتغيير موازين القوى على الصعيد الميداني، خاصة وأن المعطيات الميدانية تبرز أن ما يسمون بالثوار لم يحرزوا أي تقدم فعلي في حربهم ضد القذافي وكتائبه. ومع مرور الأيام اتضح أن محاولة إقحام الجزائر في نزاع داخلي لبلد جار، لم يكن من صنع المجلس الانتقالي وحده، بل ظهر هناك شراء في العملية يهدفون إلى الضغط على الجزائر بعد الإحراج الذي سببه موقفها الرافض للحرب العسكرية الأجنبية على ليبيا، ونقصد هنا ما أشارت إليه العديد من المصادر أن مخططا فرنسيا مغربيا وراء نشر إشاعات دعم الجزائر لكتائب القذافي من خلال نقل المرتزقة. غير أن هذه الإشاعة المغرضة التي لم تأت أكلها ولم تؤثر على مساعي الدبلوماسية الجزائرية التي تجتهد لتمرير المبادرة الإفريقية الرامية لوقف إطلاق النار وفتح باب الحوار بين الفرقاء الليبيين، زادت من إزعاج وإحراج الأطراف المذكورة آنفا، فاتجهت سهامهم هذه المرة تحو موضوع آخر له صلة بما سبق ذكره ويتعلق بمساعي للسفير الليبي بالجزائر لشراء 500 سيارة رباعية الدفع من وكلاء السيارات بالجزائر وإرسالها إلى كتائب القذافي؟ فما الهدف من نشر هذا الخبر والترويج له في بعض الفضائيات ومن تم من خلال العديد من الواقع الالكترونية؟. الظاهر أن السرعة التي انتشر بها الخبر وطريقة معالجته وتناوله من طرف بعض الدوائر الإعلامية بوحي أن الحملة الإعلامية الرامية إلى تشويه صورة الجزائر لدى الشعب الليبي لن تتوقف غدا، وستستمر ما دام الموقف الجزائري يرفض التدخل الأجنبي في ليبيا ويدعو صراحة إلى وقف إطلاق النار، وفي هذا السياق سبق لوزير الخارجية مراد مدلسي أن صرح بان الحملة التي تستهدف الجزائر نرمي إلى محاولة إرغام الجزائر على تغيير مواقفها من الصراع الدائر في ليبيا. معلوم أن الجزائر وقفت ضد التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، كما عملت ولا زالت من جل التوصل إلى اتفاق بين مختلف الأطراف الليبية لوقف القتال والاتجاه إلى الحوار، وضمن هذا الإطار جاءت المبادرة الإفريقية التي تعتبر الوحيدة حسب ما صرح به مؤخرا الوزير المنتدب للشؤون الإفريقية والمغاربية رفقة جون بينغ رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الذي زار الجزائر في إطار مشاركته في التأسيس للاتحاد المجالس الدستورية الإفريقية.