جدّدت الجزائر مرة أخرى، تكذيبها القاطع للادعاءات الرامية إلى توريطها في »المستنقع« الليبي من خلال اتهامها برعاية المرتزقة أحيانا، ودعم نظام معمر القذافي أحيانا أخرى، مما دفع وزير الخارجية مراد مدلسي، أول أمس، إلى التساؤل عن النوايا المبيتة من وراء هذه المؤامرة. اتّضح الآن بما لا يدع مجالا للشك، أن اتهامات ما يسمى المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، أو على الأقل الجناح الراديكالي فيه، الذي يقوده الناطق الرسمي عبد الحفيظ غوتة، للجزائر بدعم ورعاية المرتزقة في ليبيا ودعم نظام معمر القذافي، ليست زلة لسان ولا هي مجرد هفوة إعلامية أو سقوط سياسي، بل أن هذه الاتهامات مخطط لها من قبل جهات أو دول، ويتكفل بعض أعضاء المجلس الانتقالي بتنفيذها والترويج لها في محاولة للضغط على الجزائر وموقفها الرسمي من النزاع الليبي الذي تجاوز كل التصورات. فمنذ الوهلة الأولى التي اندلعت فيها شرارة الأزمة الليبية المسلحة عمدت الجزائر إلى التذكير بموقفها المبدئي القائم على احترام إرادة الشعوب وعدم تدخلها في الشأن الداخلي للدول مهما كانت درجة ومستوى الأزمة، ومع تطور الأمور وتصاعد حدة المواقف الداعية إلى تدخل عسكري أجنبي في ليبيا سواء من قبل المجلس الانتقالي أو بعض الدول العربية التي تكفلت بهذه المهمة على أحسن وجه، عبرت الجزائر عن قلقها، بل رفضها لهذا الخيار، معلنة أنها تقف مع الحل السلمي السياسي القائم على احترام الإرادة الشعبية الليبية، وكان موقف الدبلوماسية الجزائرية في الجامعة العربية، محرجا للدول العربية التي تقنّصت الفرصة لتصفية حساباتها مع الزعيم الليبي معمر القذافي أو لتنفيذ أجندة خارجية، فلأول مرة »تتنمر« فيه الجامعة العربية بقيادة عمرو موسى الذي شرع في حملة انتخابية مبكرة لخلافة حسني مبارك، وكان موقفه مدعوما بالحماسة الزائدة لدولة قطر والإمارات العربية المتحدة، وأيضا وهو الأخطر انسياق المغرب وراء الطرح الداعي لتدخل أجنبي، في محاولة يائسة لا يجاد موطئ قدم له في المشهد الليبي القادم من خلال المجلس الانتقالي، ومن هنا فلاغرابة أن يخرج المجلس الانتقالي الغامض من حيث هويت السياسية والبشرية أيضا عن تقاليد اللياقة الدبلوماسية ومقتضيات الجيرة ويوجّه تهما للجزائر لمساومتها عن موقفها الثابت من النزاعات الداخلية للدول. لكن هناك معطى آخر لابد من أخده بعين الاعتبار في »المؤامرة« الرامية لتوريط الجزائر وتلطيخ سمعتها لدى الشعب الليبي والشعوب العربية عموما من خلال الادعاء بدعم القذافي والمرتزقة، ونحن هنا نقصد ذلك التحالف غير المعلن بين باريس التي تتلهف لتحطيم ليبيا من أجل استرجاع ما تراه نفوذا في المغرب العربي يمتد إلى غاية السنغال وأدغال إفريقيا، وبين المغرب الذي يسعى لتصفية حساباته التقليدية مع الجزائر بسبب النزاع في الصحراء الغربية، فالاعتقاد السائد للدبلوماسية المغربية أن دعم المغرب دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا للمجلس الانتقالي، معناه الحصول على صك أبيض لتزكية خياراته المقترحة لحل النزاع الصحراوي المرفوض من قبل الأممالمتحدة إلى غاية الساعة. والواقع أن كل من المغرب وفرنسا يدركان أن الموقف الجزائري الرافض للتدخل الأجنبي في ليبيا وعدم انخراط الجزائر في المخطط الجهنمي لضرب ليبيا تحت غطاء عربي، موقف ثقيل ويجد سند له في العمق الإفريقي والعربي، ولكن أيضا من شأنه إحراج الحكومة المغربية شعبيا وعربيا وعرقلة طموحات ساركوزي في المغرب العربي وإفريقيا وهو على مقربة من حملة انتخابية لرئاسيات لن تكون سهلة عليه لأسباب عدة. إذن عندما يرفض المجلس الانتقالي في ليبيا المبادرة الإفريقية لحل النزاع، تماما مثلما عبرت عن ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه والأمين العام لحلف الأطلسي، فهنا لابد من قراءة الرسالة بوضوح وهي أن المجلس الانتقالي فاقد للإرادة، وربما قد زجّ به في مخطط غير معلوم، لدى فمن نافلة القول أن يتساءل وزير الخارجية مراد مدلسي عن دوافع هذه الاتهامات المجانية لبلد يرفض المساومة على مواقفه مهما كلفه ثمن ذلك.