كنت نائما بعد يوم عاصمي حافل بالضّغوط، وإذا به يطرق بابي، إنه علي بلميلود، يا حسراه.. أين كنتَ يا رجل؟، هذه مدة لم يظهر لك فيها وجه، أو يرنّ لك هاتف، أو يُفتح لك فايسبوك، حتى أني ظننتك التحقت بمرتزقة القذافي/ أنا؟، أنا أذهب إلى القذافي؟، كيف تظن بي هذه الظنون يا صديقي؟/ أنا اتصلوا بي من طرابلس عارضين عليّ أن أزورها، ثم أكتب ما أراه من تمسك الشعب بقائده، طبعا مقابل طائرة مدفوعة الأجر، وفندق بمأكل فخم، ومصروف جيب هو أجرة عشر سنوات في الجزائر، فقلت للفتاة المتصلة: لا أريد، قالت لي إنها شاعرة وهي معجبة بنصوصي، وستكون سعيدة إن قبلتُ دعوة الجماهيرية فتراني هناك/ ولماذا لم تذهب؟/ أذهب لأجد كاميرا قناة الجماهيرية تترصّدني في المطار؟، ثم أشاهد نفسي في نشرتها على أن زيارتي تأتي التحاما مع أخيهم القائد؟، هذا غير ممكن/ وماذا قلت للفتاة؟/ قلت لها: أنا ضد غطرسة القذافي، وسلبية المجلس الوطني، وتدخل الناتو، في مقابل تعاطفي مع الشعب الليبي المسحوق ضحية الغباء والغطرسة في الماضي والحاضر/ هل ترى أفقا للمعضلة الليبية يا بوكبة؟ لا أدري يا بلميلود.. لا أدري/ أنا خائف/ ممَّ خوفك؟/ من إجهاض الثورات العربية الجادة/ كيف؟/ تأملتُ الواقعَ فرأيت معظم الناس يخافون عليها من أمريكا وإسرائيل، لكن مصدر خوفي من جهة أخرى تماما/ هل هناك جهة أخطر على العرب منهما؟/ أرى أن صالح أمريكا وإسرائيل يقتضي أن تنجح ثورات الشباب العرب، لأن إسرائيل فعلا تريد أن تضع حدا للصراع، ومخابرها أكدت لها إمكانية ذلك مع الشارع العربي الجديد الذي يريد أن يبني وجودَه على بناء نفسه، لا على تحطيم إسرائيل كما تغنت به القومية العربية منذ عقود دون أن تبني وطنا، أو تحطم عدوا، كل ما في الأمر أنها جعلت العربَ ينفقون نصف قرن في الشعارات، لذلك سحبت أمريكا بن لادن من المعركة، وأوعزت لجماعة رام الله أن تحاور جماعة غزة، وبيراز نفسه قال إن السيناريوهات كلها مطروحة بما فيها التحاور مع جماعة حماس/ فمن هي الجهة التي تخاف أن تجهض مشروع الثورات العربية إذن يا بلميلود؟/ المخبر السعودي/ السعودية؟.. كيف؟/ إنها تسخّر قوتها السياسية والمالية للوقوف إلى جانب الأنظمة التي لم تسقط بعد مثل نظامي سوريا واليمن، وتسخّر امتدادَها السلفيَّ للتشويش على الثورات التي تمكنت من إسقاط أنظمتها، ألم تسمع بما يفعل السلفيون في مصرَ وتونس؟/ سمعت.. سمعت/ هل ترى الأمر بريئا؟.. إن ما حدث من تشويش هدفه إيصال الشارعين في تونس ومصر إلى قناعة أن ليس بالإمكان أفضل مما كان/ تقصد بن علي ومبارك/ نعم.. فالأول تأويه في حماها، والثاني وقفت إلى جانبه إلى آخر لحظة، كل ذلك في مقابل ترحيبها بانضمام المملكتين الأردنية والمغربية إلى مجلس التعاون الخليجي، إني أتفهم انضمام الأردن إلى المجلس بالنظر إلى التقارب في التاريخ والجغرافيا، لكنني لا أفهم الترحيب بانضمام المغرب الذي هو في أقصى الشمال الإفريقي إلا من باب أن هناك تكتلا للأنظمة الوراثية في الوطن العربي بغض النظر عن موقعها في الجغرافيا، هل نسيت كيف تدخلت قوات درع الجزيرة لحماية ملك البحرين؟، اسمع يا بوكبة/ نعم يا بلميلود/ الآن بات واضحا لي لماذا وقفت دول الخليج إلى جانب الثورة في ليبيا/ لماذا في رأيك يا صديقي العائد بعد غياب لم يبرّره لي حتى الآن؟/ إنها تخطط لإعادة النظام الملكي في ليبيا، وما تبني الثوار لعلَم الملك السنوسي إلا دليل على ذلك.. تذكر هذا جيدا فسيحدث/ دعنا من هذا الآن، وأخبرني أين كنت؟/ كنت في الصحراء الغربية/ في الصّحراء الغربية؟/ نعم.. تعرّفت على طالبة صحراوية تدرس في جامعة باتنة، واكتشفت أننا أبناء عمومة، نشترك في الجد السادس، لا تنس أنني قلت لك إن أصول عائلتي من الساقية الحمراء، لقد أقمتُ هناك شهورا وعدت برواية سأرويها لك مثلما رويت لك روايتك الأولى جلدة الظل، بالمناسبة: إذا انضم المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي فعلى استقلال الصحراء الغربية السلام/ شوف يا بلميلود.. أصلا أنت اقتحمت نومي من غير استعداد مني، وها أنت تُقحمني في متاهات لست مستعدا لمناقشتها الآن، فإما أن تغيّر الموضوعَ، وإما سأنام وأتركك تُهَوْجسُ وحدك/ بل سأنام يا صديقي سأنام. في المنام: كنت أشاهد قناة عربية لم أتبيّن هل هي الجزيرة أم العربية، وكانت تنقل صورا لمتظاهرين ملتحين في "الجمهوريات" العربية يطالبون بالعودة إلى الأنظمة الملكية التي كانت تحكم بلدانهم، الإمامية في اليمن والسنوسية في ليبيا والفيصلية في العراق والمهدية في السودان والبايوية في تونس والخديوية في مصر.. و. و، فصحوت مذعورا وقد تلقيت ضربة سيف من أحدهم لأجد علي بلميلود يهترف في منامه: الجزائر حرة ديمقراطية، الجزائر حرة ديمقراطية.