قرار تخصيص كوتة للنساء في القوائم الانتخابية للتشريعيات المقبلة بنسبة 30 % يثير أكثر من سؤال ويطرح أكثر من علامة تعجب، لأنه من شاكلة القرارات الاستعراضية الغير مدروسة والغير منسجمة مع واقع المرأة في الجزائر. السؤال الأول يخص أساسا هذه النسبة 30 % كيف حددت، هل بعد القيام بدراسة لحجم التمثيل النسوي في الأحزاب، خصوصا والمجتمع عموما؟ ولماذا لم يراع مبدأ المساواة الذي يعطي المرأة نفس حقوق الرجل في المشاركة والتمثيل، أم أن الخيار وقع على الشريعة الإسلامية التي تعطي الذكر حظ الاثنين؟ ثم بأي حق يفرض على الأحزاب والجمعيات هذا القرار الذي قد لا يتماشى وحقيقة أوضاع كل هيئة؟ والأهم من كل هذا من أين تأتي الأحزاب والجمعيات بهذه النسبة إذا لم تكن تتوفر عليها، وهل يسمح الواقع المعاش في جزائر اليوم للمرأة بممارسة السياسة بنفس مستوى الرجل؟ لقد كان من المفروض أن تجري دراسة عميقة وجادة للواقع الجزائري قبل فرض هذا الشرط، الذي ومن خلال معرفتنا للواقع، لن يؤدي إلى تمكين المرأة من الاضطلاع بدور أهم في الشأن السياسي، بل سيؤدي إلى استشراء الفساد والفوضى وانخفاض المستوى السياسي، لأن الأحزاب التي لا تملك هذه النسبة من النساء الصالحات للترشح سوف تبحث عنها في أماكن أخرى ولدى نوعية معينة من النساء لاستكمال شرط الترشح ! بكل صراحة وبعيدا عن التجريح أو القذف أو النميمة المجانية، لا بد من القول بأن هناك نوعا من النساء اللواتي اخترن للاضطلاع بمسؤوليات كبيرة أو متوسطة، لم يمثلن في يوم من الأيام المرأة الجزائرية، لا من بعيد أو من قريب، بل المفارقة أننا لاحظنا أنه كلما ابتعدت المرأة "المحظوظة" بمنصب عن قيم وأصالة المرأة الجزائرية الأصلية كلما كانت حظوظها أوفر للحصول على المنصب والمكسب. طبعا هذه الخاصية لا تقتصر على العنصر النسوي فقط، فهي أيضا صارت مطلوبة لدى الرجال الذين باتوا هم أيضا مطالبين بتقديم التنازلات والتضحية بالقيم للوصول إلى مبتغاهم. لقد عشنا مؤخرا ظاهرة السقوط الحر لمنظومة الأخلاق على الصعيد السياسي ومن العار أن يزج بالمرأة في هذا المناخ الغير سليم في الوقت الراهن على الأقل، لكي تتسع رقعة الفساد مما ينعكس سلبا على المجتمع الجزائري الذي يعاني من العنف والجريمة والفساد بشكل لم يسبق له مثيل حتى خلال العشرية السوداء. لا أحد يشكك في حق المرأة في ممارسة العمل السياسي والإداري والعلمي أو في قدرتها على ذلك، لكن المطلوب ليس تحقيق مكاسب استعراضية، بل المطلوب هو تطهير الساحة السياسية أولا من عقلية الفساد والابتزاز قبل المطالبة بتخصيص نسبة 30 ف للمرأة في المجالس المنتخبة. عندما نربط بين هذا الرقم وبين الفساد، فذلك لأننا نعلم جميعا بأن معظم الأحزاب لا تملك هذا الرقم مما يجعلها تلجأ إلى كل من "هبت ودبت" من النساء للحصول على العدد المطلوب. أكثر من هذا ينص القرار على اختيار عدد من النساء الفائزات في الانتخابات حتى لو لم تكن من الأوائل، مما يعني أن الرجل الفائز سوف يعاقب بمرأة مهزومة أو ذات ترتيب متأخر. إن الديمقراطية لا تبنى بالارتجال، بل بالحرية، حرية كل حزب أو جمعية في اختيار المترشحين الذين يتوقع منهم الكفاءة والنزاهة، وإذا ما توفرت هذه الشروط في 90 % من النساء فلا بأس أن تكون كل القائمة نسوية والعكس صحيح، ثم هل تسمح ظروف المرأة العاملة في جزائر اليوم بالتفرغ التام والكامل للعمل السياسي؟ وهل وفرت الدولة الوسائل لهذه المرأة لكي تعمل وهي مطمئنة على أولادها وبيتها ووظيفتها الأساسية كأم ومربية أجيال؟ تبقى الكلمة الأخيرة للنواب لمناقشة هذه المسألة الحساسة بكل صدق ومسؤولية.