تتوالى احتفالات المرأة الجزائرية بيومها العالمي الذي يوافق الثامن مارس، وأوضاعها تراوح مكانها بين خطوات متواضعة بلغت فيها بعض المناصب الوزارية القليلة، والبرلمانية وبالكثير من الانجازات الاجتماعية والاقتصادية ، وبين المخاطر المتفاقمة للعنف وتفشي ظاهرة العنوسة والطلاق وإجحاف قانون الأسرة الذي مازال يتحايل عليه الرجال رغم التعديل.. يبقى الثامن مارس فرصة متجددة للمرأة الجزائرية كل سنة لإحراز المزيد من المكاسب وطرح انشغالاتها والتعبير عن طموحاتها. تنتظر آلاف النساء الجزائريات هذا العام وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة ما سيسفر عنه مشروع القانون الذي سيكرس ترقية تواجد المرأة في المؤسسات المنتخبة الشريعية والمحلية والمنتظر إحالته على البرلمان للمصادقة عليه في المستقبل القريب، خصوصا مع اقتراب الانتخابات التشريعية والمحلية لسنة 2012 .وفيما أعد نواب من حزب جبهة التحرير الوطني اقتراح مشروع قانون لتمكين المرأة من المشاركة السياسية، لا تزال اللجنة الوطنية التي نصبت منذ أكثر من سنة على مستوى وزارة العدل لم تبلور إلى حد الساعة نتائج مقترحاتها في مشروع قانون يتوج المادة 31 مكرر من الدستور ميدانيا . ويكون هذا التأخير مرده إلى تباين مواقف الطبقة السياسية حول كيفية تجسيد هذه المشاركة رغم اتفاقهم على أنه لا يمكن تغييب دور المرأة في الحياة السياسية بالنظر لكونها تمثل نصف الهيئة الناخبة في الجزائر،و يبقى الأمل قائما في أن تشكل الانتخابات المقبلة 2012 محطة حقيقية لترجمة الإرادة السياسية في الرفع من مشاركة المرأة في اتخاذ القرار السياسي، وتفعيل الالتزامات الوطنية والدولية في مجال التمييز لتبقى مشاركة المرأة ضرورة يفرضها الواقع خدمة للمجتمع بكامله. غير أنه لوحظ في الفترة الأخيرة تراجع النضالات النسوية مقارنة ببداية التعددية، كما انحصر نشاط هذه الجمعيات في الإطار الاجتماعي وانصب على محاربة بعض الظواهر والآفات لاجتماعية التي باتت تعاني منها المرأة الجزائرية على غرار العنف ، التحرش الجنسي، العنوسة والطلاق وتبعاته من مشاكل بيت الزوجية . وكانت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة " نواره سعدية جعفر"قد أكدت منذ أسبوعين أن مشروع القانون العضوي المتعلق بترقية الحقوق السياسية للمرأة جاهز و يتواجد حاليا على مستوى وزارة العدل، فيما دعت البرلمانيات و ممثلات المجتمع المدني إلى العمل على تعزيز الحقوق السياسية للمرأة في انتظار إصدار القانون العضوي الذي سيساهم في تجسيد المادة 31 مكرر من الدستور. ومن هذا المنظور ذكرت جعفر بأن المادة 31 مكرر من الدستور تنص على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة. وألحت في هذا الشأن على أهمية القيام بحملات توعوية تحسيسية حول ترقية المرأة في المجال السياسي مذكرة باقتراب الموعد الانتخابي لسنة 2012 . الجمعيات النسوية غير راضية عن التمثيل النسوي في مراكز القرار وفي هذا الإطار، كشف آخر تقرير لمركز الإعلام والتوثيق لحقوق المرأة والطفل في الجزائر"سيداف" أن المرأة الجزائرية مهمّشة منذ 40 سنة، ذلك أن حضورها في المجالس ضعيفا بدليل أن نسبة تمثيلها في المجلس الشعبي الوطني لا تتجاوز 6 بالمائة فقط، مقارنة مع نسبة 94 بالمائة للرجال، كما أنه ضمن مجموع 144 عضو بمجلس الأمة 4 منهم فقط نساء أو ما تمثله نسبة 3 بالمائة لا غير، وهي نسب تكاد لا تحتسب مقارنة مع منطقة المغرب العربي التي يكاد عدد النساء الممثلات فيها يوازي نصف العدد الإجمالي للسكان، إذ بلغت النسبة المعتمدة في تونس قرابة ال30 بالمائة.ويطالب مركز "سيداف" بضرورة التساوي في مسألة التوريث بين المرأة والرجل على إثر دراسة ميدانية أظهرت بأن النساء في الجزائر لا يحصلن على حقوقهن في الميراث بسبب النظرة الدونية للمجتمع الذي بات يحرم المرأة من أدنى حقوقها. حتى تلك التي شرعها القانون والدين. وتضيف رئيسة المركز نادية آيت زاي أن الرجل الجزائري يرفض اليوم الاعتراف بدور المرأة الفعال، مما يجعلها عرضة لمختلف أنواع العنف ، والتحرش الجنسي الذي يتصدر قائمة أنواع العنف، وللأسباب المذكورة طالبت بضمان أكبر لحماية المرأة في أماكن العمل. وأضافت فيما يخص التمثيل السياسي النسوي بأن القانون العضوي يكرس التمثيل النسوي في المجالس المنتخبة بنسبة 30 بالمائة ، إلا أن 53 بالمائة من الرجال يرفضون تقلد المرأة لأي منصب قيادي . واعتبرت أن تنفيذ هذا القانون وبلوغ النسبة المرجوة، يقع على عاتق الأحزاب السياسية المطالبة اليوم بتحقيق المعادلة التي ترضي المرأة الجزائرية وتعيد لها اعتبارها. وفي ذات السياق اعتبرت نوريه حفصي المتحدثة باسم الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات أن حقوق المرأة الجزائرية في تقهقر، لاسيما ما تعلق بمشاركتها في الحياة السياسية وصنع القرار التي لم تتجاوز نسبتها 7.25 بالمائة، إذ لم تعرف تطورا مقارنة بالسنوات الأولى للاستقلال أين قدرت نسبة مشاركة المرأة في المجالس التأسيسية ب 7 بالمائة وهي نسبة تبقى بعيدة مقارنة بالدول المجاورة كتونس مثلا، حيث تمثل المرأة نسبة 25 بالمائة في المجالس المنتخبة. كما اعتبرت البرلمانية السابقة عائشة مسلم أن نظام "الكوطة" الذي اعتبرته التفاتة جيدة من رئيس الجمهورية إزاء النساء سيدعم تواجد المرأة في المجالس المنتخبة، لكن المشكل لا يكمن في عدد المناصب التي ستحرزها المرأة بقدر ما يكمن في أين يتم إدراجها وأي منصب في "الكوطة" ستشغل لأنها إذا لم تقدر قيمة نفسها حق قدرها فسوف يهمش دورها حتى مع نظام "الكوطة". نسبة نشاط الجزائريات في عالم الشغل الأضعف في العالم رفع تقرير أعده مركز الإعلام والتوثيق لحقوق الطفل والمرأة النقاب عن التمييز الصارخ الذي تمارسه مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع من الهيئات العمومية والخاصة في حق العنصر النسوي وعلى كافة الأصعدة، حيث كشف التقرير أن أجر الرجل الجزائري يقدر ب 3 أضعاف الراتب الذي تتقاضاه المرأة عن المنصب نفسه، كما خلصت الدراسة إلى أن 39 بالمائة من العاملات لا يتمتعن بالتغطية التأمينية لدى الضمان الاجتماعي. وقد نقل التقرير الذي اعتمد على أرقام وإحصائيات مختلف الوزارات المعنية على غرار وزارة الصحة، العمل، التربية، إضافة إلى وزارة العدل، مشهدا أسودا حول واقع المرأة الجزائرية في مجالات مختلفة، لاسيما في ميدان الشغل، إذ قال التقرير بأن نسبة اقتحام المرأة لسوق العمل لم يتعد 17 بالمائة، بالرغم من أن الدراسات تبيّن بأن العمل النسوي يمتاز بالدقة والجودة عن ذلك الذي ينجزه الرجل، إلا أن عدم المساواة يبقى قائما وغير مبرر. 30 بالمائة من اليد العاملة في القطاعين الخاص والعام نسائية توجد بالجزائر نحو مليوني امرأة عاملة،أي ما يمثل نسبة 30 بالمائة من مجموع الفئات العاملة، حيث تصل نسبة اليد العاملة النسوية إلى 80 في القطاعات الصحية والتعليمية، يليها القضاء بنسبة 60 ، في حين يستوعب قطاع الصناعة حوالي 35 بالمائة من النساء العاملات. وتعتبر نسبة اقتحام المرأة الجزائرية لسوق العمل ضئيلة لأنها لا تتعدى ال97 ,18 منهن موظفات في القطاع العمومي حيث يحوز قطاعا التربية والطب على حصتي الأسد من حيث العدد الكبير للنساء بنسبة متعادلة، إلا أن هذا الرقم غير دقيق باعتراف الجهات المعنية بسبب عدم إدراج النساء اللواتي يعملن وبكثرة في المهن الحرة وعلى رأسها المهن العائلية التي تشغل الكثير من النساء وبدون أجر. وتشير أرقام مستقاة من الوزارة إلى أن 56 من النساء العاملات أعمارهن تقل عن 40 سنة وأكثر من 25 أعمارهن تتراوح بين 24 و29 سنة.وهي نسب بعيدة كل البعد عن تلك الإحصائيات المسجلة عالميا،هذا ويشير الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات أن دور المرأة في الحياة الاقتصادية يعرف قلة نسبة اليد العاملة النسائية التي لا تتعدى 883 ألف و549 منصب شغل من مجموع اليد العاملة، بحيث لا تمثل هذه النسبة إلا 11.55 بالمائة فقط من عمال 55 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، إلى جانب نشاط بعضهن في بعض الأعمال والحرف اليدوية التقليدية غير المصرح بها في المنازل والتي تتواجد أكثر نسبة منها في الأرياف. وهناك أجيرات وعاملات في إطار التمهين بمختلف المؤسسات لا تقل نسبتهن عن 12بالمائة غير مصرح بهن للضمان الاجتماعي وبالتالي لا يدخلن في الإحصاءات الرسمية.