من حق الجزائريين أن يشتكوا حيارى مظلومين من الطوابير المستنزفة للوقت، المضيعة للمصالح، تلك التي يحتشدون فيها أمام مكاتب الحالة المدنية في البلديات لاستخراج شهادة ميلاد أو عقد زواج، أو شهادة إقامة، الأوراق التي صار استصدارها المجاني أمرا مدمنا لدى المواطنين من جهة وأسلوبا تعجيزيا روتينيا من عادات بيروقراطية الإدارة وصنيع تلهية من إنتاجها من جهة أخرى. وأيضا من حقهم أن ينزعجوا، وهم في الصفوف المضروبة، شبابهم وشيبهم، رجالهم ونساؤهم قبالة شبابيك البريد لسحب مداخيلهم من دريهمات الأجور، والمسألة نفسها حتى بالنسبة للدفع. أي حتى أن الذي يريد أن يبرئ ذمته من حقوق الماء ومقابل كشوف الكهرباء والغاز، وما يقابل خدمات الشبكات العنكبوتية من أثمان دورية يعاني من غياب العون المختص أو من طول الانتظار المميت للجهد المثبط للعزائم المهدر للوقت. إنه مرض عضال ما يزال يثقل الكاهل وينوء على المصلحة العامة بخنقه لأنفاس الجزائريين، والذي يدفع بهم إلى امتهان لغة اللوم واللجوء إلى التصرف العصبي الذي صار من علاماتنا البارزة، سواء كنا في المشفى أو في البلدية أو في دور البريد أو في مؤسسة أخرى من مؤسسات المرفق العام في القطاعات الخدماتية. لكن العيب كل العيب أن يصطف موفودو بعض العائلات الجزائرية عن رضى وهم يستقبلون عامهم الميلادي الجديد في طوابير طويلة الذيول عميقة الإذلال والذنوب بصبر أيوب أمام محلات بائعي جذع الشجرة la buche الذي يرمز في الأساس إلى تحضيرات استقراطيو حضارة غير حضارتنا، وهم يستقبلون صقيع فصل الشتاء وقره بجمع أخشاب الأشجار لاستعمالها في أفران التسخين الرخامية، وبخاصة الجذوع منها لبطء فنائها مشتعلة مقارنة مع غيرها ليتحوقلوا حولها سَمرا ومحاكاة. إذن فهي تقاليد مجلوبة ليست موروثة، دخيلة ليست أصيلة، غريبة ليست قريبة، هي من مخلفات الاستعمار وبقايا العائلات الكلونيالية التي صادرت الممتلكات وأزهقت أرواح الجزائريين، التقاليد التي لما منعها نابليون بونابرت عن العائلات الفرنسية فيما يشاع، استغلها الخبازون ليضعوا حلواهم على شاكلة خشب جذوع الأشجار فتجتمع حولها العائلات للتذوق بدل التسخين. جاءوا بهذا التقليد فورّثوه أو ورثوه عنهم من احتكّوا بهم، وسلبوا بثقافتهم، فكانت التبعية المباشرة، وغير المباشرة من أولئك المظلومين الذين ينساقون بعفوية وراء تقليد المقلدين، وهم على غير دراية بالمصدر، ولا بهدف المصدر ومرماه. في مستهل هذا العام اصطف كالعادة نفر من هؤلاء الناس أمام أحد محلات la buche ، فإذا بحسناء متبرجة، أظهر محاسنها شبه عَراها، تخترق الصفوف وتتخطى الرقاب لتحظى بالأولية في استلام جذعها. لما تملل القوم ولاموها عن تصرفها غير الحضاري، خرجت من صدرها المرمري صليبها، وقالت موبخة لهم: ما زاحمناكم يوما في رمضانكم ولا في صلاتكم ولا في حجكم، ولا في تشهدكم ولا في أعيادكم، فاتركوا لنا تقاليدنا وأعيادنا، فطأطأوا رؤوسهم خجلا من الوارثة الأصلي لميراث la buche .. ؟!