لم يفوت قادة »الفيس« المحل، عباسي مدني وعلي بلحاج أي حدث وطني أو فرصة إلا واستغلاه للفت انتباه الرأي العام تجاههما أو على الأقل محاولة تكريس وجودهما السياسي ولو إعلاميا، حيث وقعا بيان أمس يدعو إلى مقاطعة الانتخابات في اعتقاد منهما أنهما يحظيان بشعبية مؤثرة أو أن نداءهما سيجد آذانا صاغية. في خضم الحراك السياسي الذي تشهده الجزائر منذ سنة تقريبا على وقع الإصلاحات السياسية والتحضير للانتخابات التشريعية، خرج عباسي مدني وعلي بلحاج ببيان تناقلته بعض المواقع الالكترونية »يدعو الشعب الجزائري إلى مقاطعة الانتخابات من أجل تغيير النظام«؟، حيث سوقا عباسي مدني المقيم بقطر وعلي بلحاج مقاربة غريبة من حيث الطرح والتحليل، وتقوم على أساس أن مقاطعة الانتخابات ستؤدي إلى تغيير النظام، عكس إجماع الرأي العام بنخبه السياسية والفكرية التي تعتبر المشاركة القوية في الانتخابات ومراقبتها لتكون نزيهة ونظيفة وشفافة وخدها القادرة على تغيير النظام بطريقة سلمية، حضارية، سلسة، وتقلب المعادلة السياسية وموازين القوى داخل دواليب السلطة انطلاقا من برلمان ديمقراطي، تعددي، قوي، يؤسس لمرحلة جديدة من الممارسة السياسية وعلاقة السلطة بالمواطن. وهنا يتساءل كثيرون: كيف يمكن لمقاطعة الانتخابات أن تؤدي إلى تغيير النظام؟ هل يعني ذلك أن الرجلين يحاولان إثارة الفوضى في الجزائر من خلال فشل العملية السياسية الجاري الإعداد لها، أو دخول البلد في أزمة سياسية حادة تتيح لهما ولبعض الأطراف الأخرى من اللجوء إلى طلب التدخل الأجنبي على غرار ما يحدث في بعض الدول العربية؟. في الواقع تبرز من خلال هذه الدعوة إلى المقاطعة عديد الأسئلة عن خيارات الرجلين، إلا أن الحقيقة التي تم إغفالها في هذا البيان أو حاولا كل من عباسي مدني وعلي بلحاج تجاهلها هي، تجاهل الشعب الجزائري لكل الدعوات التي أطلقها عباسي مدني وعلي بلحاج منذ خروجهما من السجن، فلا دعوتهم إلى خروج الشعب في احتجاجات عارمة خلال الانتفاضات التي عرفتها تونس وليبيا ومصر، لقيت استجابة ولا تمسكهم بإرث جبهة الإنقاذ المحلة غير معطيات الواقع السياسي والاجتماعي التي تتجه لترسيم خيار التمسك بالسلم والعمل من اجل إحداث تغيير سلمي، ومن هنا تتوقع العديد من الأوساط ألا يكون لهذه الدعوة الغريبة أي صدى في الشارع الجزائري. النقطة الثانية التي جاءت في بيان عباسي مدني وعلي بلحاج، تتعلق بالطعن في مصداقية الأحزاب السياسية القائمة أو تلك التي ولدت حديثا، ومعنى هذا أن الرجلين مازال يتمسكا بنظرتهما الاستعلائية، التي تحتقر كل الأحزاب، وفي عمق هذا الطرح تبرز بوضوح استبدادية وعدمية الرجلين. وهو أمر خطير في الأدبيات السياسية التي تقوم على الاحترام الرأي المخالف، ومواجهة ذلك بالحوار باعتباره وسيلة مثلى في الممارسة السياسية. ومن هذا المنطلق تبدو دعوة »الشيخين«، مبتورة ضمن السياق العام الذي تشهده الجزائر، أو بالأحرى هي صرخة في واد يراد بها لفت انتباه الرأي العام وتسجيل حضور إعلامي لن يغير في الأمر شيء، ذلك لان الكتلة الناخبة التي يخاطبها عباسي مدني وعلي بلحاج، لا وجود لها إلا في مخيلتيهما.