أبناء الحي الذي يقيم فيه يشيدون به وآخرون يكشفون تناقض أفكاره لا يزال علي بلحاج، الرجل الثاني في الفيس المحل، يمثل مرجعية لبعض الشباب بين فتاوى من هم غير مؤهلين للفتوى، ويمثل هذا المدرّس الذي اعتنق العمل السياسي نهاية الثمانينيات، وأسس أحد أكبر الأحزاب الإسلامية في تاريخ الجزائر، الذي تسبب في أزمة دامية عصفت بالوطن لمدة عقدين كاملين. ولمعرفة مدى تأثير هذا الرجل في شباب اليوم فضّلنا النزول إلى الحي الذي يقطنه علي بلحاج والتحدث مع أبناء الحي. كان يلقّن التلاميذ مضمون الكتاب المدرسي.. البداية كانت من شارع لابروفال، وبالضبط من أمام مسجد الوفاء بالعهد، حيث التقينا مجموعة من الشباب، اقتربنا منهم وعندما عرفناهم بهويتنا، ترددوا في الحديث عن علي بلحاج، ما عدا الشاب "أ.م"، 30 سنة، الذي قال "أنا أعرفه جيدا، فهو كان أستاذي بمدرسة حي البدر". ودون أن نلح عليه بالمزيد من المعلومات، أخذ هذا الشاب في رسم صورة عن أستاذه، وقال إنه كان "أستاذا جيدا ويعرف كيف يجلب اهتمام التلميذ"، وأنه لم يحدثهم أبدا عن السياسة. ويتابع "كان يدرسنا من الكتاب المدرسي ودائما يفسح لنا ربع ساعة للرسم والقيام بما نريد، بينما ينهمك هو في قراءة القرآن"، مضيفا أن الأستاذ كان يتمتع بشخصية قوية ويفرض نفسه على الجميع، وكان يحترمه جميع من بالقسم، بل وحتى المدير والأساتذة، وكان لا يجرؤ أي من التلاميذ على التشويش في درسه. وقال لنا شاب آخر إن "الشيخ" تخلى عن التدريس بسبب ارتداء المعلمات ل"الميني جيب"، وأنه معجب كثيرا ببلحاج الذي كان يذهب بدراجته "بيجو 103" إلى "واد أوشايح" ويجالس السكارى ويعظهم، بالتي هي أحسن، ونجح في هداية الكثيرين منهم. وقال "إنه داعية يحبب الدين لقلوب الشباب". لكنه رفض الحديث عما تعرض له بلحاج في السجن قائلا "الكل مظلوم في هذا البلد". وعندما سألنا الشباب إن كانوا قد حظروا خطب علي بلحاج، أجابنا الشاب سليم، 24 سنة، وهو بطال، أنه كثير التأثر "بالشيخ بلحاج" وأن خطبه تجعله يتحمس وتزرع في قلبه نشوة الإسلام لدرجة أن بدنه يقشعر. "قول الحق في هذا البلاد... أمر صعب" أما بشوارع "لوتيسمون" الأمر كان مختلفا؛ حيث رفض أغلب الشباب التحدث في الموضوع، لكن رغم ذلك صارحنا أحدهم أن الشيخ علي كان دائما يدعو للصواب، وقول الحق في هذه البلاد أمر صعب، وقال هذا الشاب أن بلحاج "راجل ولا يخاف الدولة ويقول الحق، لذا زج به في السجن". وزعم أن النظام على حد تعبيره "حاول شراء ذمة الرجل، لكنه لم يقبل العرض"، وأضاف أن بلحاج "فضل البقاء في السجن والمرض، على أن يتخلى عن مبادئه". "علي مريض يجب أن يعالج... وتخرّج على يده متطرفون" بعيدا عن منطقة علي بلحاج وبشوارع حيدرة، سألنا بعض المارة عن هذه الشخصية، فأجابنا محمد أنيس 20 سنة أنه حاقد على بلحاج وأنه السبب في ما آلت إليه الجزائر ووحده يتحمّل ذنب دماء الآلاف من الجزائريين قائلا "هو والروجي عباسي مدني". أما السيدة عائشة في العقد الثالث من العمر، فقالت أن علي بلحاج إنسان مريض أصيب بالإحباط النفسي ويحاول فرض نفسه على أنه شخصية فاعلة ومؤثرة في الشباب وختمت قولها "أنا أنصحه بالعلاج". أما الآنسة لامياء، فقالت أنها كانت تترد على مسجد الحي، حيث يدرس أحد تلاميذ علي بلحاج، لكنها انقطعت عن الذهاب كون هذا الإمام متطرف ويدعو للجهاد والتطرف. رجال الدين: "بلحاج لا يحمل تكوينا دينيا.. وتناقضاته دليل على عدم تأسيس أفكاره" لمعرفة رأي رجال الدين في هذه الشخصية، ارتأينا الاتصال ببعض رجال الدين الحاملين لشهادات عليا في علوم الشريعة والفقه من أكبر المعاهد والجامعات الإسلامية. وما لمسناه من إجاباتهم، اتفاق الكل على نقطة ضعف تكوين الرجل من الناحية الشرعية، حيث كشفوا لنا أنه لا يحمل ولا شهادة جامعية من معهد وطني أو إسلامي في الخارج، تثبت تمكنه من المسائل الفقهية والشرعية، قائلين أن بلحاج لم يجالس من قبل علماء في الدين حتى يأخذ من علمهم، فكيف للرجل أن يفتي ويتحدث عن الدين؟ وأشار أحدهم إلى أن بلحاج كثيرا ما وقع في تناقضات، حيث كفّر الشيعة من قبل، ثم تراجع، واعتبر الطائفة الشيعية وحسن نصر الله، المد الديني للإسلام وخير من يدافع عنه، فأهل العلم لا يقعون في مثل هذه التناقضات. برّر الجنوح إلى الإرهاب في آخر بيان له:بن حاج يستغل الأحداث السياسية.. لتحريض الشباب على العصيان! أوضح علي بن حاج، الرجل الأول في الفيس المحل، أن التوقيت الذي تم فيه استبدال رئيس الحكومة بآخر "له أكثر من دلالة"، وقال إنه ما إن غادر رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون أرض الجزائر، حتى سارع رئيس الجمهورية إلى "إعادة ذلك الوجه القديم غير المرغوب فيه عند عموم الشعب الجزائري على رأس الطاقم الحكومي، ليتصدر المشهد السياسي للمرة الثالثة، وبمعظم الوجوه الوزارية التي طال عليها الأمد منذ العهدة الأولى وبعض الوجوه يعود إلى عهد المجلس الأعلى للدولة"، متسائلا إن كانت الجزائر عقيمة ولا يوجد فيها من الرجال إلا هذه الحفنة من الوجوه على حد تعبيره التي تستبدل الأدوار بين الحين والآخر، وكأنها في مقابلة كرة قدم تتبادل الأجنحة؟". وقال بن حاج في بيان تلقت "النهار" نسخة منه، أنه مما لا شك فيه كما قال أن إعادة أويحيى على رأس الحكومة بنفس الطاقم المرفوض شعبيا، قد يدفع إلى الجنوح إلى التطرف الذي طالما حذر منه العقلاء حسبه متسائلا عن الغرض من إعادة أويحيى على رأس الحكومة بعد إقالته في 2006، منتقدا بشدة رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى بعد أن قال إنه ضد رفع الأجور "رغم ميزانية الدولة المرتفعة ألفي مليار دينار جزائري، وهذا دليل أو مؤشر على أن الجبهة الاجتماعية لن تعرف استقرارا وربما زادت تدهورا"، مضيفا أن رؤيته المتعلقة بحالة الطوارئ ومواصلة القضاء على الإرهاب، دليل على أنه يستبعد الحل السياسي الشامل، مقدما عليه الحل الأمني خلافا لمعالجته للأزمة السياسية في بلاد القبائل، موضحا أن الحل الأمني لن يعود على البلاد بأي خير. وعن حضور الجزائر في قمة الاتحاد المتوسطي المزمع عقدها بباريس في 13 جويلية، قال بن حاج إنه من غير الحرج في أن تحضر الجزائر لندوة باريس على أعلى مستوى، بحكم أن الجزائر لها مصالح تدافع عنها، وهذا دليل على أنه يحبذ المشاركة في قمة الاتحاد المتوسط، مستشهدا برد أويحيى عن سؤال تعلق بفضيحة "الخليفة"، قال فيه إن السماء لم تسقط بهذه القضية". الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة لم يعد يكترث لوجودهم بقاعة المحاكمة:علي بلحاج تعود إهانة القضاة ويسل في كل مرة كالشعرة من العجينة يبدو أن الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، علي بلحاج، لم يعد يكترث إطلاقا للقضاة ولهيبتهم خلال جلسات المحاكمة، وكأن "القانون" لا يعنيه. فأثناء تدخله في المحاكمة التي جرت أطوارها بمحكمة الجنايات بالعاصمة، قام باتهام ممثل النيابة العامة ب"الكذب" عندما سمعه يقول إن مصالح الأمن لا علاقة لها بتقارير الضبطية القضائية في ملفات المتهمين بالإرهاب... وتم اقتياده إلى خارج قاعة المحكمة. والغريب في الأمر أنه في كل مرة تقوم أجهزة الأمن بتوقيف علي بلحاج بسبب تصريحات أو مواقف يدلي بها ويتم إطلاق سراحه بعد ذلك، وفي المرة الأخيرة عندما كان يتابع أطوار محاكمة ما يسمى ب"شركاء أحمد رسام"، تدخل في المحاكمة واتهم ممثل النيابة ب"الكذب" أمر رئيس المحكمة الشرطة بتوقيفه... غير أنه نجا منها بأعجوبة، كما تسل الشعرة من العجينة، ليطلق سراحه بعد ذلك. والجدير بالذكر في هذا السياق، أنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة بإهانة "القضاة" وشتمهم، رغم أن وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين يزيد زرهوني، صرح في إحدى المناسبات بأن "علي بلحاج" سيحاكم محاكمة عادلة ودون تدخل السلطات، ولم يذكر ما إذا كان "بلحاج" سيستفيد من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أم لا.