التحذيرات التي أطلقها وزير الداخلية دحو ولد قابلية صوب الفولاة بخصوص ضمان نزاهة العملية الانتخابية والتطبيق الصارم للقانون، جاءت لتضفي المزيد من الطمأنينة بالنسبة للمترشحين وترد أيضا على الأصوات التي لا تزال تشكك في نزاهة الاستحقاق المقبل، وقد بدت الأيام الأولى من حملة التشريعيات جد محتشمة، رغم المهرجانات الشعبية التي نشطتها الأحزاب الكبيرة. نزل المتنافسون على عضوية البرلمان إلى الميدان لخطب ود الناخبين، ورغم أهمية الرهان بدا المشهد شاحبا بعض الشيء بسبب إحجام أغلب التشكيلات المتنافسة فضلا عن قوائم الأحرار عن الحملة الجوارية، وقد اختلفت التفسيرات بخصوص هذه الظاهرة التي لم تكن بنفس الحجم والحدة في الاستحقاقات الماضية. فبالنسبة للمتخصصين في قضايا الاتصال فإن عدم التركيز على الملصقات يعود إلى أن هذه الملصقات تكلف غاليا خاصة إذا ما روعي فيها جانب النوعية الذي يكفل جلب الناخبين، وهناك عامل آخر مرتبط بسلوكات سلبية معروفة تتمثل في ظاهرة تمزيق الملصقات التي تتم أحيانا عبر بعض الأشخاص غير المعنيين بالعملية الانتخابية، وأحيانا أخرى من قبل مناضلي بعض الأحزاب والقوائم التي تفضل خوض الحملة عبر أساليب غير قانونية. بعض التشكيلات السياسية تحمل مسؤولية هذا العزوف عن الملصقات للسلطات التي لا تضع حسبها اللافتات في الأماكن المطلوبة للتأثير على الناخبين، في وقت تم تسجيل تجاوزات كثيرة خلال الأيام الأولى للحملة سواء ما تعلق بالملصقات التي يتم وضعها في أي مكان دون مراعاة للقانون، أو فيما يخص التقيد بضرورة أن يقتصر خطاب الحملة على اللغة الوطنية العربية أوالأمازيغية. الحملة الانتخابية هذه المرة لها مميزاتها من حيث الاعتماد بشكل أكبر على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تؤدي مهام الإشهار بالمترشحين بشكل كبير جدا، خاصة إذا كان الغرض هو الوصول إلى شريحة الشباب والمثقفين التي تستعمل عادة هذه الوسيلة في التواصل، لكن لا يبدو أن هذه الوسيلة تكفي في هذا الوقت على الأقل للاستغناء عن باقي الوسائل الأخرى في إدارة الحملة، فالحملة الجوارية التي تتمثل في النزول إلى الميدان والاحتكاك بالمواطنين وخطب ودهم مباشرة، يبقى يشكل أحد الخيارات الناجحة في التعريف بالمترشحين، مع هذا لا يبدو أن هناك توجها كبيرا نحو هذا الأسلوب، ما عدا الاعتماد على التجمعات الشعبية التي تتيح للبعض تطوير فن الخطابة وتحميس المواطنين، علما أن أغلب التشكيلات السياسية تجد صعوبة في تنظيم التجمعات الشعبية وفي ملأ القاعات التي تبقى فارغة عدا تلك التجمعات التي تنظمها الأحزاب الكبيرة. ويبدو أن ما تبقى عن الأمطار والسيول الجارفة التي مست عديد المناطق، وما تبقى عن لهيب الأسعار الذي تجاوز حدود المعقول خاصة لما أصبح سعر البطاطا يتجاوز ال 120 دج، ما تبقى عن كل ذلك أجهزت عليه حركة الشارع التي عادت بشكل لافت في الآونة الأخيرة، فالاحتجاجات وغلق الطرقات واحتلال الساحات العمومية والسير صوب الحكومة لا يزال يثير أعصاب السلطات التي تحاول جاهدة الحد من هذه الظاهرة عبر منع أي شكل من أشكال الاحتجاج لضمان سلامة الحملة الانتخابية وتفادي أي انزلاق للوضع. وما من شك أن اللقاء الذي جمع وزير الداخلية دحو ولد قابلية بولاة الجمهورية بجنان الميثاق قد شكل إضافة أخرى لطمأنة المترشحين للتشريعيات بخصوص حياد الإدارة، الوزير كان جد واضحا لما حذر الولاة من أي تجاوزات ومن أي مساس بالقانون بالنظر إلى خطورة المهمة الموكلة إليهم وعظمة الحدث المتمثل في الاستحقاق التشريعي. وفي خضم هذا الوضع أطل دعاة المقاطعة برؤوسهم، فالتحركات التي يقوم بها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لتنشيط حملة مقاطعة التشريعيات قد تنبئ ربما بمشاكل قد يشهدها الاقتراع، وقد حذرت من ذلك رئيسة حزب العمال لويزة حنون التي تحدثت عن احتمال لجوء البعض إلى حرق مكاتب التصويت، فالأرسيدي الذي دعا المواطنين إلى مسيرات بمناسبة الاحتفالات بذكرى الربيع الأمازيغي، يحاول أن يصل إلى أهداف لم يقدر على الوصول إليها عبر الممارسة السياسية، من خلال إعادة تحريك النعرة الجهوية واستعمال ورقة الهوية الأمازيغية التي هي ثابت من الثوابت التي يفترض أنها تبقى بعيدة عن السجال السياسي. فإذا استثنينا جبهة القوى الاشتراكية التي ركزت خطابها على مسائل سياسية كبرى، من خلال الحديث عن تغيير جذري للنظام وعن مجلس تأسيسي يضطلع بمهمة انتخاب دستور جديد للبلاد، ووضع معالم جمهورية جديدة، فإن باقي التشكيلات السياسية الأخرى قد تقاطعت عند مسألة المشاركة في التشريعيات باعتبارها تحديا حقيقيا ورهانا كبيرا لكسب معركة الانتخابات، ويبدو أن البعض لم يعجبه الحديث عن ربيع الجزائر السلمي باعتباره بديلا لربيع العرب الدامي، والحقيقة أن نجاح الانتخابات في الجزائر هو ما لا ترغب فيه بعض القوى التي تريد أن تصل الجزائر إلى طريق مسدود لتنزلق بعد ذلك إلى متاهات المواجهات ليجد هؤلاء ضالتهم في إدخال البلاد في فتنة يسمونها »ثورة« تكون مهمتها تركيع الجزائر. الأسبوع المنصرم لم يكن حكرا على الحملة الانتخابية، فالزيارة التي قام بها رئيس المجلس الوطني الانتقالي، المستشار مصطفى عبد الجليل للجزائر، تعتبر جد هامة في تحسين العلاقات بين الجزائر وطرابلس وفي إزالة كل الشوائب التي التصقت بالعلاقات الثنائية، وهي من جهة أخرى استكمال لمسار التطبيع بعد مرحلة من الجفاء كادت أن تعصف بالعلاقات بين الجارين الشقيقين. الحديث عن ليبيا يقود حتما إلى التطرق للوضع في شمال مالي، فهذا البلد لا يزال يعاني من وضع كارثي على خلفية انفصال شماله، ويبدو أن التصريحات التي أطلقها مؤخرا إيف بوني، المسؤول السابق عن جهاز الاستخبارات الداخلية في فرنسا والمعروف اختصارا ب »الدي أس تي« الذي حمل فرنسا والحلف الأطلسي مسؤولية الفوضى التي ضربت ليبيا ومالي، فضلا عن اعترافات مسؤولي أجهزة الاستخبارات الغربية بخصوص سوء تقديرهم للآثار المدمرة للسلاح الليبي المنهوب على أمن واستقرار منطقة الساحل، لم يعد يجدي نفعا، فالواقع الماثل للعيان في شمال مالي ومنطقة الساحل عامة ينبئ بوضع خطير في هذه المنطقة، وهذا باعتراف الرئيس الفرنسي ساركوزي نفسه الذي تحدث مؤخرا عن حروب قد تشهدها منطقة الساحل وإفريقيا بسبب الحدود الموروثة عن الاستعمار وبسبب التناقضات الثقافية والإثنية التي تعيشها المنطقة.