كُثر هم أولائك الذين يشطحون في الظلمة بهذا البلد وفي قطاعات متعدّدة..إنهم يمارسون واجبهم المُلزم في حُسن الأداء والكفاءة ولكن قلّما يحصلون على حقّهم المشروع في العرفان والجميل، بل إنهم يتعرّضون لممارسات مقيتة ضمن محيط غايته التنكّر والإقصاء.. ومع ذلك يستمرّ هؤلاء بحكم وازع الضمير في العمل وأداء ما عليهم من واجبات ولو افتقدوا للحماسة ولشيء من حرارة المعنويات.. لكن أسوأ ما يحيا هؤلاء هو الشعور بأن ما يقومون به أشبه بالحرث في الماء نظرا لغياب شروط الفاعلية الاجتماعية فيما ينتجون ويصير حالهم كحال الذي يشطح في الظلمة فلا يراه أحد.. هذا المحيط البائس الذي يبثّ روح اليأس في أبناء الأمة يتغذّى من أساليب غير شفيفة في الاعتراف بكفاءتهم وتميّزهم.. من اللافت أن هذا التهميش وسّع دائرة الظلمة وبالتالي زاد في إيقاع الشطيح والشطّاحين لأنه امتد إلى حقول المعرفة والإبداع ومجالات الكتابة الشعرية والنثرية، وهو ما نبّه روائيا كبيرا مثل واسيني الأعرج إلى الاعتراف بأن كثيرا من النصوص والمبدعين بالعربية لم يحصلوا على حقّهم في الذيوع والانتشار وأُبقي على كتبهم في بعض المكتبات بالجزائر فحسب، عكس ما يحدث لعدد كبير من الكتّاب باللغة الفرنسية.. أجل..هناك كتابات مظلومة وهناك كتّاب مظلومون في الجزائر، والمستفيد من هذا الخلل هو بالتأكيد من سكنوا رؤوس الصحفيين والصحفيات بالأقسام الثقافية والإذاعات فيلجؤون إليهم في كل مناسبة ودونما مناسبة ويجترونهم اجترارا..! هو الخلل في التوزيع على المستوى الوطني وانعدامه مغاربيا وعربيا، ناهيك عنه في الإعلام وصناعة النجوم. إن جدوى الكتابة لتوضع على المحكّ إذا ما شعر المبدع بأنه يقارع أبواب الصمت فلا صوت ولا صدى لأنه يرقص في الظلمة و ما من مبصر أو مستمع أو مدّكر..! "كُلّما جاءني الأمسُ، قلت له: ليس موعدنا اليوم، فلتبتعد وتعال غدا "! محمود درويش